[قال " عياض ": قد قدمنا ما حكاه " الغساني " من الاتفاق على قبول روايتهم إذا لم يكونوا دعاة ولا غلاة، وظهر صدقهم. وقد ذكرنا أن " أبا عبدالله بن البيِّع " ذكرهم في القسم الخامس. وإلى قبول روايتهم وشهادتهم مال " الشافعي ". وقال " مالك ": " لا يؤخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه "؛ فانظر اشتراطه الدعاء هل هو ترخيص في الأخذ عنه إذا لم يدع؟ أو أن البدعة سبب تهمته في أن يدعو الناس إلى هواه؟ أي: لا تأخذوا عن ذي بدعة فإنه ممن يدعو إلى هواه، أو أن هواه يحمله أن يدعو إلى هواه، ونتهمه لذلك. وهذا المعروف من مذهبه. وقد تأول " الباجي " أن معنى يدعو: يظهرها ويحقق عليه. فأما من دعا؛ فلم يختلف في ترك حديثه. وأما " القاضي أبو بكر الباقلاني " في طائفة من المحققين من الأصوليين والفقهاء والمحدثين من السلف والخلف؛ فأبوا قبول خبر المبتدع والفسَّاق المتأولين، ولم يعذروهم بالتأويل، وقالوا: هو فاسق بقوله، فاسق بجهله، فاسق ببدعته؛ فتضاعف فسقه. وعلى هذا، وقع خلاف الفقهاء في شهادتهم فقبلها " الشافعي " وابن أبي ليلى، وردها " مالك " وغيره. وكذلك لا يشترط فيمن دعا إلى بدعته ما ذكره " الغساني " من افتعاله الحديث وتحريفه الرواية؛ لنصرة مذهبه؛ فإن هذا ثبت كذبه وطرح قوله، ولو لم يكن ذا بدعة، ومن شهر بالبدعة اتهمناه أن يفعل هذا وإن لم يفعله لثبوت فسقه ببدعته. قال " مالك " - رضي الله عنه -: لا يؤخذ الحديث عن أربعة، ويؤخذ عن سواهم: رجل معلن بفسقه، وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته، ورجل له فضل [لا يعلم ما يحدث به]- (من الإكمال). = وجرد السيوطي أسماء من خرج لهم الشيخان أو أحدهما، ممن رموا بالبدعة، فبلغ بهم واحدًا وثمانين (تدريب الراوي ١/ ٣٢٨). (٢) انظر المحدث الفاصل (٤٠٤ ف ٤١٩) وتقييد العراقي ١٥٠ والتبصرة (١/ ٣٣٣).