للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣٢ / و] الرابعة عشرة: أعرَض الناسُ في هذه الأعصارِ المتأخِرَة عن اعتبارِ مجموع ِ ما بَيَّنَّا من الشروطِ في رُواة الحديثِ ومشايخه، فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذرِ الوفاء بذلك على نجوِ ما تقدم، وكان عليه مَنْ تَقَدَّم، ووجهُ ذلك ما قدمناه في أول ِ كتابِنا هذا من كونِ المقصودِ آل آخِرًا إلى المحافظةِ على خصيصةِ هذه الأمةِ في الأسانيدِ والمحاذرةِ من انقطاع سلسلتِها، فليُعتبَرْ من الشروطِ المذكورةِ ما يليقُ بهذا الغرِض على تجرُّدِه، وليُكتَفَ في أهليَّةِ الشيخ: بكونِه مسلمًا بالغًا عاقلا، غيرَ متظاهرٍ بالفسق والسخف، وفي ضبطه: بوجود سماعِه مثبتًا بخطٍ غير متَّهم، وبروايتِه من أصل ٍ موافِقٍ لأصل ِ شيخِه. وقد سبق إلى نحوِ ما ذكرناه " الحافظ الفقيهُ أبو بكر البيهقي " - رحمه الله تعالى -. فإنه ذكر فيما رويناه عنه، توسُّعَ مَنْ توسَّع في السماع من بعض محدِّثي زمانِه الذين لا يحفظون حديثَهم، ولا يحسنون قراءتَه من كتبهم، ولا يعرفون ما يُقرَأ عليهم بعد أن تكون القراءةُ عليهم من أصل سماعِهم، ووجَّه ذلك بأن الأحاديث التي قد صَحَّتْ أو وقفت بين الصحةِ والسقم، قد دُوِّنتْ وكُتِبَتْ في الجوامع التي جمعها أئمةُ الحديث. ولا يجوز أن يذهبَ شيءٌ منها على جميعِهم وأن جاز أن يذهبَ على بعضِهم؛ لضمانِ صاحبِ الشريعة حِفظَها. قال: فمن جاء اليومَ بحديثٍ لا يوجَدُ عند جميعِهم لمْ يُقْبَلْ منه. ومن جاء بحديثٍ معروفٍ عندهم فالذي يرويه لا ينفردُ بروايتِه، والحجةُ قائمةٌ بحديثِه بروايةِ غيرهِ. والقصدُ من روايته والسماع منه؛ أن يصير الحديثُ مسلسلا بـ: حدثنا، وأخبرنا. وتبقى هذه الكرامةُ التي خُصَّتْ بها هذه الأمةُ شرفًا لنبيِّنا المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. والله أعلم.

الخامسة عشرة: في بيانِ الألفاظِ المستعملة من أهل هذا الشأنِ في الجرح ِ والتعديل. وقد رتبها " أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي " في كتابه [٣٢ / ظ] في (الجرح والتعديل) (١) فأجاد وأحْسَنَ. ونحن نُرتبها كذلك، ونورد ما ذكره، ونضيف إليه ما بلَغنا في ذلك عن غيرِه، إن شاء الله تعالى.

أما ألفاظ التعديل فَعلى مراتب:

الأولى: قال " ابنُ أبي حاتم ": إذا قيل للواحدِ إنه ثقةٌ أو مُتقِنٌ؛ فهو ممن يُحتَجُّ بحديثِه.


(١) (باب بيان درجات رواة الآثار): ٢/ ٣٧.

<<  <   >  >>