للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبرين منفصلين في أمرين لا تعلُّقَ لأحدِهما بالآخر (١).

ثم هذا إن كان رفيعَ المنزلة بحيث لا يتطرقُ إليه في ذلك تهمةُ نقلِه أولا تامًّا، (٢) ثم نقله ناقصًا، أو نقله أولا ناقصًا ثم نقله تامًّا. فأما إذا لم يكن كذلك؛ فقد ذكر " الخطيبُ الحافظ " أن من روى حديثًا على التمام، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان، أن يُتَّهمَ بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديثِ لقِلَّةِ ضبطهِ وكثرةِ غلَطه، فواجبٌ عليه أن يَنفي هذه الظَّنَّةَ عن نفسه. (٣) وذكر " الإِمامُ أبو الفتح سُليمُ بنُ أيوبَ الرازي، الفقيهُ " [٦٢ / ظ] أن مَن روى بعضَ الخبر ثم أراد أن ينقلَ تمامَه، وكان ممن يُتَّهم بأنه زاد في حديثه؛ كان ذلك عُذرًا له في تركِ الزيادة وكتمانِها.

قلتُ: مَن كان هذا حاله؛ فليس له من الابتداء أن يرويَ الحديثَ غيرَ تامٍّ، إذا كان قد تعيَّن عليه أداءُ تمامِه؛ لأنه إذا رواه أولا ناقصًا، أخرج باقيَه من حيِّزِ الاحتجاج به،


(١) على هامش (غ): [قال القاضي عياض: اختلف المحدثون والفقهاء والأصوليون في اختصار الحديث، والتحديث به على المعنى، وفي الحديث بفصل منه دون كماله؛ فأجاز هذا كله على الجملة قوم، وهو مذهب " مسلم بن الحجاج "، ومنعه على الجملة آخرون وهو تحري " البخاري". ورخص قوم فيما يقع من الكلمات موقع مثالها، كالجلوس عوض القعود، والقيام عوض الوقوف، وشبهه، دون ما يمكن أن يختلف اختلافًا ما. وجوّز آخرون الحديث على المعنى في غير لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنعه في لفظه - عليه الصلاة والسلام -، وذكر هذا عن " مالك ". وذهب المحققون إلى أن الراوي إذا كان ممن يستقل بفهم الكلام ومعانيه، ويعرف مقاصده، ويفرق بين الظاهر والأظهر، والمحتمل والنص؛ فجائز لهذا الحديثُ على المعنى إذا لم يحتمل عنده سواه، وانفهم له فهمًا جليًّا معناه. وحكى غير واحد معنى هذا عن " مالك وأبي حنيفة والشافعي ". وكذلك جوزوا الحديث ببعض الحديث، إذا لم يكن مرتبطًا بشيء قبله ولا بعده ارتباطًا يخل بمعناه. وكذلك إن جمع الحديث حكمين أو أمرين، كل واحد مستقل بنفسه غير مرتبط بالآخر؛ فله الحديث بأحدهما. وعلى هذا كله كافة الناس ومذاهبُ الأئمة، وعليه صنف المصنفون كتبهم في الحديث على الأبواب، وفصلوا الحديث الواحد على الأجزاء أجزاء بحكمها، واستخرجوا النكت والسنن من الأحاديث الطوال، وهو معنى قول " مسلم " في خطبته، وعمله البخاري كثيرًا في صحيحه. ولهذا روى الحديث الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ مختلفة، في القصة الواحدة، والمقالة الفذة، والقضية المشهورة، من عهد الصحابة فمن بعدهم. لكن لحماية الباب من تسلط من لا يحسن، وغلط الجهلة في نفوسهم وظنهم المعرفة مع القصور؛ يجب سد هذا الباب؛ إذ فِعْلُ هذا على من لا يبلغ درجة الكمال في معرفة المعاني، حرام باتفاق / طرة، من الإكمال] روجع على الإكمال: (ل ٣٠). دار الكتب بالقاهرة، مخطوط.
- وانظر (الإلماع: ١٨١) وفيه قال القاضي عياض: وقد تقصيتُ الكلام في هذا في كتاب الإكمال لشرح صحيح مسلم ".
(٢) من (غ) وفي (ص، ع): [تماما].
(٣) الكفاية: (باب ذكر الرواية عمن أجاز النقصان من الحديث ولم يجز الزيادة): ١٩٣.

<<  <   >  >>