للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يكنْ ممن يمنعه الحياءُ أو الكِبْرُ عن كثير من الطلب، وقد روينا عن " مجاهد " - رضي الله عنه - أنه قال: " لا يتعلمُ العلمَ مستحي ٍ ولا مستكبر " (١). وروينا عن " عمر بن الخطاب وابنِه " - رضي الله عنهما - أنهما قالا: " من رقَّ وجهُه رقَّ علمُه ".

ولا يأنف من أن يكتب عمن دونه ما يستفيده منه. روينا عن " وكيع بن الجراح " - رضي الله عنه - أنه قال: " لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقَه وعمَّن هو مثلُه، وعمن هو دونَه ".

وليس بموفقٍ من ضيَّع [٧٣ / ظ] شيئًا من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها. وليس من ذلك قولُ " أبي حاتم الرازي ": " إذا كتبتَ فقمِّش، وإذا حدثتَ ففَتِّشْ " (٢).

وليكتبْ وليسمع ما يقع إليه من كتاب أو جزء على التمام، ولا ينتخبْ؛ فقد قال " ابنُ المبارك " - رضي الله عنه -: " ما انتخبتُ على عالم قط إلا ندمت (٣) ". وروينا عنه (٤) أنه قال: لا يُنتخَب على عالم إلا بذنب. وروينا - أو بلغنا - عن " يحيى بن معين " أنه قال: " سيندم المنتخِبُ في الحديث حين لا تنفعه الندامة ".

فإن ضاقت به الحالُ عن الاستيعاب، وأُحوِجَ إلى الانتقاء والانتخاب، تولى ذلك بنفسِه إن كان أخلا مميزًا عارفًا بما يصلح للانتقاءِ والاختيار. وإن كان قاصرًا عن ذلك، استعان ببعض الحفاظ لينتخب له. وقد كان جماعةٌ من الحفاظِ مُتصدين للانتقاء على الشيوخ، والطلبةُ تسمع وتكتب بانتخابهم، منهم: " إبراهيمُ بن أُرمةَ الأصبهاني، وأبو عبدالله الحسين بن محمد المعروف بِعُبيدٍ العجل ِ، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بكر الجِعابِيِّ " في آخرين. وكانت العادة جاريةً برسم الحافظِ علامةً في أصل ِ الشيخ على


(١) ذكره البخاري تعليقًا في (باب الحياء في العلم) من كتاب العلم. قال ابن حجر: " و " لا " نافية لا ناهية. ولهذا كانت ميم " يتعلم " مضمومة .. وقول مجاهد هذا؛ وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي ابن المديني عن ابن عيينة عن منصور، عنه. وهو إسناد صحيح على شرط المصنف (فتح الباري ١/ ١٦٢).
(٢) التقميش، والقمش أيضًا: جمع الشيء من هنا وههنا (التبصرة ٢/ ٢٣٢).
(٣) أسند القاضي عياض عن عبدالله بن المبارك، قال: " ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت. ومن بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينساه، أو يتبع سلطانًا ". الإلماع: ٢١٨.
(٤) من هنا، إلى قوله: [الندامة] في آخر الفقرة، سقط من متن (ص) وقد ألحق منه بهامشه، من قوله: [وروينا أو بلغنا] إلى آخر السقط.

<<  <   >  >>