الأمر عند علماء المصطلح بإسناد معين أو رواية بذاتها، في كتاب منها أو في كتب غيرها من المصنفات الحديثية. وأشق ما تكون المعاناة حين لا يذكرون متن الحديث أو بابه، بل يكتفون بطرف منه أو كلمة، أو إشارة إلى إحدى طرقه، كأن يقولوا: الحديث الذي رواه فلان عن فلان وأنكر المروي عنه أنه روّاه إياه، أو الحديث الذي رواه فلان عن شيخ يشارك فيه عدد من الرواة، قل أو كثر، تشابهت أسماؤهم أو ألقابهم وكناهم وأنسابهم .. ونحو ذلك من الإِشارات التي بعُد العهد بمن كانوا يعرفونها بمجرد الإِشارة إليها، وأما نحن، في عصرنا البائس، فلا غنى لنا في تخريج الأحاديث بكتب المصطلح، عن كتب المستدرك والإِلزامات والمراسيل والعلل والأوهام، ومختلف الحديث وغريبه وناسخه ومنسوخه، والتدليس والوضع .. ومسائل الحفاظ لشيوخهم. وكتب التاريخ والرجال: الجرح والتعديل، والمؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، والأسماء والكنى، والألقاب والأنساب، ومعاجم الشيوخ وبرامجهم، وكتب التقييد لرواة الكتب والمسانيد، وما تيسر من كتب الأطراف والمبهمات ..
وقد استغرق إعداد هذه الطبعة عشر سنين دأبًا، لئن شُغِلْتُ فيها، كذلك، بتكاليف الإِشراف على طلابي في الدراسات العليا، لقد كان لي من صحبتهم في رسائلهم ما زادني تحريرًا لمنهج التوثيق، وعلمًا بقوانين التحقيق، وزودني بمصادر ومراجع لم تكن مما وقفت عليه من قبل.
وكنت كلما عكفت على إنجاز هذه الطبعة ظهر مخطوط من حيث لا أحتسب، أو نُشر من كتب التراث ما أحتاج إليه. فعُدتُ على بدء أعيد النظر فيما سبق لي إنجازه .. وتكرر ذلك مرارًا حتى بدا لي كأنْ لا نهاية لما رجوت إكماله. وخشيت أن ينتهي الأجل المقدور لي، وأنا هامة اليوم أو غدٍ، قبل إخراج هذه الطبعة الجديدة، فاستخرت الله تعالى وقدمتها للطبع، ويظل المجال مفتوحًا لما بها من فوات يستدركه من ييسرهم الله تعالى لخدمة الحديث الشريف وعلومه.