للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهما قال: قدمنا المدينة فباء لنا وبأ من وعك المدينة شديد، وكان الناس يكثرون أن يصلوا في سُبَحِهم جلوسًا، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الهاجرة وهم يصلون في سُبَحِهم جلوسًا، فقال: " صلاة الجالس نصف صلاة القائم " قال: فطفق الناس حينئذ يتجشمون القيام (١). قال " عبدالرزاق ": عقيب هذا: أخبرنا ابن جُريج، قال: قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهي مُحِمَّة فَحُمَّ الناسُ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس يصلون - قعودًا - فقال: " صلاة القاعد نصفُ صلاةِ القائم " فتجشم الناس الصلاةَ قيامًا " (٢).

والطريق الثاني أجودُ؛ فإن الزهري لم يسمع عبدالله بن عمرو، وأيضًا فقد صح عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - ما قد يخالف ظاهر ذلك، وهو ما رواه " مسلم " وغيره من حديث هلال بن يَسَافٍ عن أبي يحيى عن عبدالله بن عمرو قال: حُدِّثتُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: " صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة ". قال: فأتيته فوجدتُه يصلي جالسًا، فوضعتُ يدي على رأسي فقال: ما لكَ يا عبدالله بن عمرو؟ قلت: حُدِّثتُ يا رسول الله أنك قلت: " صلاة الرجل قاعدًا على نصف الصلاة " وأنت تصلي قاعدًا؟ [١٥٧ / ظ] قال: " أجل ولكني لستُ كأحدِكم " (٣).

فظهر من هذا الحديث أن " عبدالله بن عمرو " لم يسمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هذا، بخلاف ما يُشعر به ظاهرُ حديث عبدالرزاق، ولعله سمعه من بعض الصحابة أولا، فلا تنافي. وقد روى " عبدالرزاق " في (مصنفه) عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " إن للقاعد في الصلاة نصفَ أجرِ القائم " ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر السبب. وما سبق من السبب يستفاد منه أن هذا النصف لمن صلى وبه بعضُ مرض ٍ لا يلحقه حَرجٌ بالقيام، ويظهر من هذا السبب أن الصلاة كانت في المسجد، وذلك لأحد أمرين: إما لأن الظاهر من حال


(١) مصنف عبدالرزاق: ٢/ ٤٧١ ح (٤١٢٠) وفي طبعته: " قدمنا بالمدينة فنالنا وباء " وعلى هامشه: الكلمة مشتبهة في الأصل. وفيها: " وهم يصلون في سبحتهم ".
السبحة، بالضم، واحدة السبح: صلاة التطوع والذكر والنافلة (النهاية) ومنه سبحة الضحى صلاتها ونافلتها (المشارق).
(٢) المصنف: ٢/ ٤٧١، ح (٤١٢١) وفيه: " فتجشموا الناس قيامًا ".
(٣) صحيح مسلم، ك صلاة المسافرين، وقَصْرها. ولفظه فيه: " فوضعت يدي على رأسه " ... " ولكني لست كأحد منكم " (ح ١٢٠/ ٧٢٥).

<<  <   >  >>