للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في صلاتهم، فجاء معاذٌ والقومُ قعود في صلاتهم فقعد معهم، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام فقضى ما سبق به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اصنعوا ما صنع معاذ " (١).

يستفاد من ذكر هذا النسب أن المسبوق كان يبتدئ بعد أن يكون منفردًا. وقد أجاز ذلك جمع من أهل العلم ومنهم " الشافعي " في أرجح قوليه، وقال في موضع آخر: ولا يجوز أن يبتدئ الصلاةَ لنفسه ثم يأتم بغيره. وهذا منسوخ (٢)، وقد كان المسلمون يصنعون ذلك حتى جاء عبدالله بن مسعود - أو معاذ بن جبل - وقد سبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من الصلاة، فدخل معه ثم قام يقضي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن ابن مسعود - أو معاذًا - قد سَنَّ لكم سُنةً فاتبعوها " قال المزني: [١٥٩ / و] قوله - عليه الصلاة والسلام -: " إن معاذًا قد سن لكم " يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يُسْتَنَّ بهذه السنة فوافق ذلك فعل معاذ، وذلك أن بالناس حاجة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يُسَنُّ، وليس بها حاجة إلى غيره.

وما قاله " المزني " يشير به إلى أن معاذا أقدم على ذلك بأمرٍ ظهر له من شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ومن ذلك حديثُ: " ما حدثكم أهلُ الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله ". هذا الحديث بهذا اللفظ مشهور. وله سبب، وهو ما رواه الإمام أحمد في (مسنده) وأبو داود في (سننه) من حديث " أبي نملة الأنصاري " - رضي الله عنه - أنه قال: بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده رجل من اليهود، مُرَّ بجنازة فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الله أعلم ". فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما حدثكم أهلُ الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوه، وإن كان حقًّا لم تكذبوه " أخرجه أبو داود في كتاب العلم، في الباب الثاني منه (٣).


(١) أخبار أصبهان، وانظر رواية سليمان بن أحمد، الطبراني لحديث معاذ - رضي الله عنه - في (مجمع الزوائد ٢/ ٨٢) باب في الكلام في الصلاة والإشارة.
(٢) الاعتبار للحازمي، باب في المسبوق بصلي ما فاته ثم يدخل مع الإمام في الصلاة: (٢٠٤).
(٣) من السنن: باب رواية حديث أهل الكتاب (ح ٣٦٤٤).

<<  <   >  >>