للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ الإجازة المقرونة بالمُناوَلَة: بأن يدفع إليه الشَّيخُ أصلَ سماعه أو فرعًا مُقابَلًا عليه،

قوله: (ثُمَّ الإِجَازَةُ المَقْرُوْنَةُ بِالمُنَاوَلَةِ) لو قال: ثمَّ المناولة المقرونة بالإجازة ثم المجرَّدَةُ عنها كما فعل غيره لكان أسبك وأسلك وأجمع وأجمل، فالمناولة التي هي من أقسام التحمل أعمُّ من أن تكون مقرونةً بإجازة أو لا، فهي القسم الثالث من أقسام التحمل المذكورة، والأصل فيها ما عَلَّقَهُ المصنف في العلم: «أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وقال: لَا تَقْرَأْهُ حتى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فلما بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِي » قال السُّهَيْلي: احتجَّ به البخاري على صحةِ المُناولة، وكذلك العالم إذا ناول التلميذ كتابًا جاز له أن يروي عنه ما فيه، قال: وهو فقهٌ صحيحٌ، وفي «معجم البغوي» عن يزيد الرَّقاشي قال: كُنَّا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمَخالٍ له فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديثُ سمعتها من رسول الله وكتبتها وعرضتها. انتهى.

ثُمَّ هيَ كما علمتَ ضربان:

الأولى: المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ: وهي أعلى أنواع الإجازة مطلقًا، وأعلى صورها كما صَرَّحَ عياض وغيره، ومنه أن يدفعَ الطالب إلى الشيخ سماعه؛ -أي: سماع الشيخ أصلًا أو فرعًا مقابَلًا به- فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يناوله للطالب ويقول له: (هو حديثي أو روايتي عن فلان أو عمَّن ذُكر فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته) وهذا سمَّاه غير واحدٍ من أئمة الحديث (عَرْضًا) فهذا عرض المناولة، وما سبق عرضُ القراءة.

قال النووي: وهذه المناولةُ مُنْحَطَّةٌ عن السماع والقراءة على ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي والمزني وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن رَاهُوْيَه، وروي عن مالك.

قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه نذهب وهو الصحيح، وذهب جماعة كثيرون إلى أنَّها كالسماع في القوة والرتبة، بل نقل ابن الأثير أن بعض أصحاب الحديث جعلها أرفعَ من السماع؛ لأنَّ الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت، لما يدخل من الوهم على السامع والمستمع.

<<  <   >  >>