للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّماء أصحُّ من كتاب «مسلم»؛ فلم يصرِّح بكونه أصحَّ من «صحيح البخاريِّ»؛ لأنَّه إنَّما نفى وجود كتابٍ أصحَّ من كتاب «مسلمٍ»؛ إذ المنفيُّ إنَّما هو ما تقتضيه صيغة «أَفْعَلَ» من زيادة صحَّةٍ في كتابٍ شارك كتاب «مسلم» في الصِّحَّة، يمتاز بتلك الزِّيادة عليه، ولم ينفِ المساواة. وكذلك ما نُقِلَ عن بعض المغاربة: أنَّه فضَّل «صحيح مسلمٍ» على «صحيح البخاريِّ»؛

قوله: (وَلَمْ يَنْفِ المُسَاوَاةَ)؛ أي: فيكون من باب قوله : «مَا أظَّلَت الخَضْرَاءُ وَلَاْ أَقَلَّت الغَبْرَاءُ أَصْدَقُ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» هذا لا يقتضي أنَّه أصدقُ من جميع الصحابة، ولا من الصِّديق بل نفى أن يكون منهم أصدقُ منه، فيكون فيهم مَن يساويه.

وممَّا يدلُّ على أن عُرْفَهُم من ذلك الزمان ماشٍ على قانونِ اللغة: أنَّ أحمد ابن حنبل قال: ما بالبصرةِ أعلمُ -أو قال: أثبت- من بِشْرِ بن الفضل، أما مثله فعسى.

ومع ذلك فإنَّ هذا القول قد انفردَ به أبو علي المذكور فلا يُصادم إجماع الجمهور، مع اتفاق العلماء على أنَّ البخاري كان أجلَّ من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث، وأنَّ مسلمًا تلميذه ولم يزل يستفيد منه ويتتبع آثاره حتى هجرَ من أجله شيخه محمد بن يحيى الذُّهلي في قصة شهيرةٍ.

وقال الدَّارقُطْنِي: لولا البخاري ما راحَ مسلم ولا جاءَ، وهذا كنايةٌ عن عدمِ التصرف في صناعة الحديث.

وقال الحاكم: رحم الله البخاري فإنَّه أَلَّفَ الأصولَ؛ -يعني: أصول الأحكام من الأحاديث- وبَيَّنَ للناسِ، وكلُّ مَن عملَ بعده فإنَّما أخذ من كتابه، كمسلم بن الحجاج. انتهى.

وعن الدَّارقُطْنِي أيضًا: وأيُّ شيءٍ صنع مسلم؟! إنَّما أخذ كتاب البخاري فعمل عليه مُستخرجًا وزاد فيه زيادات.

قوله: (عَنْ بَعْضِ المَغَارِبَةِ)، قيلَ: هو ابن حزم.

<<  <   >  >>