للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضابطين بلا شذوذٍ، بألَّا يكون الثِّقة

قوله: (ضَابطِيْن) من الضَّبط وهو قِسمان: ضبطُ صدرٍ: وهو أن يحفظ ما سمعه بحيث يتمكَّن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب: وهو صيانته عنده منذ سمع فيه وصحَّحه إلى أن يؤدي منه ولا يدفعه إلى مَن يمكن أن يغيِّرَ فيه، ومحلُّ هذا في كتاب لم يشتهر ولم يضبط، أمَّا ما كان كذلك كالبخاريِّ ومسلم فلا يشترط صيانة ما سمع فيه عنده حتَّى يُؤدِّي منه بل الشَّرط أنْ يروي من أصل شيخه أو فرع مقابَلٍ عليه أو فرع مقابلٍ على الفرع كما أفاده بعض حواشي شيخ الإسلام، أقول: والظَّاهر أنَّ التَّقييد بشيخه في مثل ما ذكر ليس بلازم لضبط تلك الكتب في ذاتها فالمدار على كون النُّسخة مصحَّحة على أيِّ شيخ أو مقابلةً بأيِّ فرع صحيح.

وأطلق الشَّارحُ الضَّبط ولم يقيِّد بالتَّام مع أنَّه مراتب ثلاثة: عليا ووسطى ودنيا؛ لأنَّه المراد عند الإطلاق فإنَّ اللَّفظ إذا أُطلق انصرف للفرد الكامل وهو التَّامُّ خصوصًا والمقام يقتضيه.

والضَّبط التَّامُّ هو ما لا يختلُّ، فلا يُقال في صاحبه إنَّه يضبط تارة ولا يضبط أخرى، فيخرج الحسن لذاته المُشترط فيه سَمِيُّ الضَّبط فقط، وما نقله مغفَّلٌ كثيرُ الخطأ.

قال في «التَّقريب»: ويُعرف ضبط الرَّاوي بموافقته الثِّقات المتقنين الضَّابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم، فإن وافقهم في روايتهم غالبًا ولو من حيث المعنى فضابط، ولا تضرُّ المخالفة النَّادرة فإنْ كثرت اختلَّ ضبطه ولم يُحتجَّ به في حديث.

قوله: (وَلَا شُذُوْذ) زاد بعضهم: ولا إنكار، ولا حاجة إليه لأنَّ المُنكر أسوأ حالًا من الشَّاذِّ فاشتراط نفي الشُّذوذ يقتضي اشتراط نفيه بالأولى.

قوله: (بِأَنْ (١) يَكُوْنَ الثِّقَةُ … ) إلى آخره، تصوير لعدم الشُّذوذ، فيكون الشُّذوذ هو مخالفة الثِّقة لأرجح منه حفظًا أو عددًا، وهو أحد أقوال في تفسيره.

ثانيها: تفرُّدُ الثِّقة مطلقًا سواء خالف غيره أو لا.

ثالثها: تفرُّدُ الرَّاوي مطلقًا ثقة أو لا، والرَّاجح الأوَّل، وعليه قال شيخ الإسلام: إنَّ انتفاء صحة الحديث بمجرد مخالفةِ أحدِ رواته لمن هو أوثقُ منه مُشكل؛ لأنَّ الإسناد إذا كان متصلًا ورواته كلّهم عدول ضابطون فقد انتفت عنه العلل الظَّاهرة وإذا انتفى كونه معلولًا فما المانع من الحُكم بصحته، فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أرجح منه لا تستلزمُ الضَّعف بل يكون من باب صحيح وأصح.


(١) كذا في نسخة الأبياري من «الإرشاد»، وفي نسختنا (بألا يكون).

<<  <   >  >>