ولو لم يعرف المَخْرَج، إذ كلُّ معروفِ المَخْرَج متَّصلٌ ولا عكسَ، وشهرةُ رجاله بالعدالة والضَّبط المنحطِّ عن الصَّحيح، ولو قِيلَ: هذا حديثٌ
ذكر الحسن لغيره بالاعتضاد.
وبالجملة فقد كثُرت تعاريف الحسن ولم يصفُ منها تعريفٌ حسن، قال البلقينيُّ: الحسن لَمَّا توسَّطَ بين الصَّحيح والضَّعيف عند النَّاظر كأنَّ شيئًا ينقدح في نفس الحافظ وقد تقصُر عبارته عنه فلذا صعُب تعريفه. انتهى.
قوله:(ولَمْ يُعْرَف المَخْرَج)؛ أي: لم يشتهر، وأمَّا أصل معرفته وضبطه فلا بدَّ منه.
قوله:(مُتَّصِلٌ)؛ أي: لِمَا عرفت من أنَّ ما سقط من رجاله شيء لم يعرف مخرجه.
وقوله:(ولا عَكْسَ)؛ أي: لأنَّه قد يتَّصل مع عدم الاشتهار بل ومع الضَّعف.
قوله:(وشُهْرَةُ) بالرَّفع عطف على الاتِّصال، والمراد بالشُّهرة: سلامة الرِّجال من وصمة الكذب فهو بمعنى قول التِّرمذيِّ: ولا يكون في إسناده متَّهم بالكذب، كما في «شرح التَّقريب»، ويحتمل أن يكون (وشهرة) مبتدأ و (بالعدالة) خبره؛ والمعنى: وشهرة رجاله الَّتي هي مُرادة لمعرفة المَخْرج تكون بالعدالة … إلى آخره؛ أي: فمعنى قولنا: ما عُرف مخرجه؛ أي: ما اشتهرت رجاله بأنَّهم عدول ضابطون … إلى آخره، وبالجملة فهذا التَّعريف فيه من الطُّول والقلاقة والصُّعوبة ما لا يخفى.
قوله:(المُنْحَطِّ عَنْ الصَّحِيْحِ)؛ أي: الَّذي للصَّحيح وهو تمام الضَّبط إذ المعتبر فيه الضَّبط التَّامُّ، وفي الحسن أصل الضَّبط، واعلم أنَّ الحسن بقسميه يشارك الصَّحيح في الاحتجاج والعمل به عند جميع الفقهاء وأكثر المحدثين وإن كان دونه في القوَّة ولهذا أدرجه جماعة في نوع الصَّحيح كالحاكم وابن حبَّان، لكن مَن سمَّاه صحيحًا لا يُنكر أنَّه دونه بدليل تقديم الصَّحيح عليه عند التَّعارض فحينئذ يكون الخلاف لفظيًّا، فمن جعله من الصَّحيح أراد في الاحتجاج والعمل، ومن أخرجه منه أراد أنَّ رتبته أقلُّ من رتبته.
ويُشارك الصَّحيح أيضًا في تفاوت رتبه، فمن الرُّتبة العُليا سندًا ما قاله الحافظ الذَّهبيُّ: إنَّ أعلى مراتب الحسن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فإنَّ عدَّةً من الحُفَّاظ يصفون هذه الطَّريق بأنَّها من أدنى مراتب الصَّحيح، ورويَ منها قوله ﷺ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل صَلَاةٍ» رواه التِّرمذيُّ.