مخالفًا لطلبتكم ورجائكم، فابعث إلينا رجالًا من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم، وما يهم من شيء.
فلما أتت (١) عمرو بن العاص رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين، حتى خاف عليهم المقوقس، فقال لأصحابه: أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم، يستحلون ذلك في دينهم! وإنما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين.
فرد عليهم عمرو مع رسله: أن ليس بيني وبينك إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم أعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فلما جاءت رسل المقوقس إليه، قال: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويتخشعون في صلاتهم.
فقال عند ذلك المقوقس: والذي يُحْلَف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، ولا يقوى على قتال هؤلاء أحد، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل، لم يجيبوا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض، وقووا على الخروج من موضعهم.
فرد إليهم المقوقس رسله، وقال: ابعثوا إلينا رسلًا منكم نعاملهم، ونتداعى نحن وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلاح لنا ولكم.
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر، وأحدهم عبادة بن الصامت، وهو أحد من أدرك