للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صبرهم، ولا بد من الثالثة (١) ؛ قالوا: فنكون لهم عبيدًا أبدًا؟ قال: نعم تكونون عبيدًا مسلطين (٢) في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم، وتكونوا عبيدًا وتباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا، أنتم وأهلوكم وذراريكم. قالوا: فالموت أهون علينا.

وأمروا بقطع الجسر بين الفسطاط والجزيرة، وبالقصر من جمع الروم والقبط جمع كثير فألح المسلمون عند ذلك بالقتال على من في القصر حتى ظفروا بهم، وأمكن الله منهم، فقتل منهم خلق كثير، وأسر من أسر، وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة، وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل وجه، لا يقدرون على أن ينفذوا ويتقدموا نحو الصعيد، ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى، والمقوقس يقول لأصحابه: ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم؟ ما تنتظرون! فوالله لتجيبهم إلى ما أرادوا طوعًا أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منه كرهًا، فأطيعوني من قبل أن تندموا.

فلما رأوا منهم ما رأوا، وقال لهم المقوقس ما قال: أذعنوا بالجزيرة، ورضوا بذلك على صلحٍ يكون بينهم يعرفونه. وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص: إني لم أزل حريصًا على أجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلي

بها، فأبى ذلك عليَّ مَن حضرني من الروم والقبط، فلم يكن لي أن أفتات عليهم، وقد عرفوا نصحي لهم، وحبي صلاحهم، ورجعوا إلى قولي، فأعطني أمانًا أجتمع أنا وأنت في نفر من أصحابي ونفر من أصحابك، فإن استقام الأمر بيننا تم لنا ذلك جميعًا؛ وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه.

فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا: لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية،


(١) ط: "الثلاثة"، وهو خطأ.
(٢) ط: "مسلطنين"، وما أثبته من فتوح مصر.