للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابه: إنما

أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا، وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى؛ فإن كان القبط كرهوا القتال، وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا، فإن عندك بمصر من الروم وبالإسكندرية، ومن معك أكثر من مائة ألف، معهم العدة والقوة. والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت، فعجزت عن قتالهم، ورضيت أن تكون أنت ومن معك في حال القبط أذلاء، ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت، أو تظهر عليهم؛ فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم، وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة، فناهضهم القتال، ولا يكون لك رأي غير ذلك. وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابًا إلى جماعة الروم.

فقال المقوقس لما أتاه كتاب ملك الروم: والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة منا؛ وذلك أنهم قوم الموت أحب إليهم من الحياة، يقاتل الرجل منهم وهو مستقل، ويتمنى ألا يرجع إلى أهله وبلده ولا ولده، ويرون أن لهم أجرًا عظيمًا فيمن قتلوا منا، ويقولون: إنهم إن قتلوا دخلوا الجنة، وليس لهم رغبة في الدنيا، ولا لذة إلا على قدر بلغة العيش من الطعام واللباس، ونحن قوم نكره الموت، ونحب الحياة ولذتها، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء، وكيف صبرنا معهم! واعلموا معشر الروم؛ إني والله لا أخرج مما دخلت فيه، وصالحت العرب فيه؛ وإني لأعلم أنكم سترجعون غدًا إلى قولي ورأيي، وتتمنون أن لو كنتم أطعتموني؛ وذلك أني قد عاينت ورأيت، وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره، ولم يعرفه، ويحكم! أما يرضى أحدكم أن يكون آمنًا في دهره على نفسه وماله وولده، بدينارين في السنة!

ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص، فقال له: إن الملك قد كره ما فعلت