للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعجزني، وكتب إلي وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك، وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم؛ ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه؛ وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم الصلح فيما بينك وبينهم؛ ولم يأت من قبلهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم؛ وأما الروم فأنا منهم بريء، وأنا أطلب منك أن تعطيني ثلاث خصال.

قال له عمرو: ما هن؟ قال: لا تنقضن (١) بالقبط، وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك، فهم متمون لك على ما تحب. وأما الثانية فإن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا، فإنهم أهل لذلك؛ فإني نصحتهم فاستغشوني، ونظرت لهم فاتهموني. وأما الثالثة، أطلب إليك إن أنا مت، أن تأمرهم أن يدفنوني في أبي يحنس (٢) بالإسكندرية.

فأنعم له عمرو بن العاص، وأجابه إلى ما طلب، على أن يضمنوا له الجسرين جميعًا، ويقيموا له الإنزال والضيافة والأسواق والجسور؛ ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية. ففعلوا وصارت لهم القبط أعوانًا، كما جاء في الحديث، واستعدت الروم وجاشت، وقدم عليهم من أرض الروم جمع عظيم.

ثم التقوا بسلطيس، فاقتتلوا بها قتالًا شديدًا، ثم هزمهم الله، ثم التقوا بالكريون، فاقتتلوا بها بضعة عشر يومًا.

وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة، وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو.


(١) فتوح مصر: "لا تنقض".
(٢) ط: "حنش"، صوابه من فتوح مصر.