للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو رآه النظام اختل نظامه، ولو أدركه صاحب المواقف لقال: أنت في كل موقف مقدمه وإمامه، أو الأصول، ولو جادله السيف لاختفى في غمده، ولقطع له بالإمامة ولم يقطع بحضرته لكلال حده، أو الإمام الفخر لقال: ما لأحد أن يتقدم بين يدي هذا الحبر، وخاطبه لسان حاله: أنت إمام الطائفة، والرازي على فرقة هي عن الحق صادفة، ولا فخر.

ولد بالإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وتلا على الزراتيتي وتفقه بالشيخ يحيى السيرامي، وأخذ النحو عن الشمس الشّطَنوفي والحديث عن الشيخ ولي الدين العراقي، ولازم البساطي في المعقول، وبرع في الفنون، وسمع الكثير، وأجاز له العراقي والبلقيني والحلاوي والمراغي وغيرهم، وقرأ الفنون، وانتفع به الخلق، وصنف حاشية على المغني، وحاشية على الشفا وشرح النقاية في الفقه، وشرح نظم النخبة لأبيه، وأرفق المسالك لتأدية المناسك. وطُلِبَ لقضاء الحنفية فامتنع. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة (١) .

وقلت أرثيه:

رزء عظيم به تستنزل العبر ... وحادث جل فيه الخطب والغير

رزء مصاب جميع المسلمين به ... وقلبهم منه مكلوم ومنكسر

ما فقد شيخ شيوخ المسلمين سوى إنهدام ركن عظيم ليس ينعمر

رزية عظمت بالمسلمين وقد ... عمت وطمت فما للقلب مصطبر

تبكيه عين أولي الإسلام قاطبة ... ويضحك الفاجر المسرور والغمر

من قام بالدين في دنياه مجتهدًا ... وقام بالعلم لا يألو ويقتصر

كل العلوم تناغيه وتنشده ... لما قضي: مهلا يأيها البشر

إذ كان في كل علم آية ظهرت ... وما العيان كمن قد جاءه الخبر


(١) الفوائد البهية ٣٧.