الشام، لينزعوا مصر منه، وضعف جيش المعز عن مقاومتهم. فراسل حسان، ووعده بمائة ألف دينار، إن هو خذَّل بين الناس، فأرسل إليه: أن ابعث إليّ بما التزمت، وتعال بمن معك، فإذا التقينا انهزمت بمن معي. فأرسل إليه المعز مائة ألف دينار في أكياس أكثرها زغل ضرب النحاس، ولبسه الذهب، وجعله في أسفل الأكياس ووضع في رءوس الأكياس الدنانير الخالصة، وركب في أثرها بجيشه، فالتقى الناس، فلما نشبت الحرب بينهم، انهزم حسان بالعرب، فضعف جانب القرمطي، وقوي عليه المعز فكسره، واستمر المعز بالقاهرة إلى أن مات في ربيع الآخر سنة خمس وستين. وكان منجمه قال له في السنة التي قبلها: إن عليك قطعًا في هذه السنة فتوار عن وجه الأرض حتى تنقضي هذه المدة، فعمل له سردابًا، ودعا الأمراء وأوصاهم بولده نزار، ولقبه العزيز، وفوض إليه الأمر حتى يعود، فبايعوه على ذلك، ودخل ذلك السرداب، فتوارى فيه سنة، فكانت المغاربة إذا رأى الفارس منهم سحابًا ساريًا ترجل عن فرسه، وأومى إليه بالسلام، ظانين أن المعز في ذلك الغمام. ثم برز إلى الناس بعد مضي سنة، وجلس للحكم على عادته، فعاجله الله في هذه السنة. وولي بعده ابنه العزيز أبو منصور نزار، فأقام إلى أن مات سنة ست وثمانين.
ومن غرائبه أنه استوزر رجلًا نصرانيًّا يقال له عيسى بن نسطورس، وآخر يهوديًّا اسمه ميشا، فعز بسببهما اليهود والنصارى على المسلمين في ذلك الزمان، حتى كتبت إليه امرأة في قصة في حاجة لها تقول: بالذي أعز النصارى بعيسى بن نسطورس، واليهود بميشا، وأذل المسلمين بك؛ لما كشفت عن ظلامتي! فعند ذلك أمر بالقبض على هذين، وأخذ من النصراني ثلاثمائة ألف دينار، وولي بعده ابنه الحاكم، فكان شر الخليقة، لم يل مصر بعد فرعون شر منه؛ رام أن يدعي الإلهية كما ادعاها فرعون، فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، واحترامًا