هيبتها، ووقتها أفعالها التي تستقي من منبع الرسالة، وصانتها خلالها التي ترتقي إلى مطلع الجلالة؛ لكن الأعمار محررة مقسومة، والآجال مقدرة معلومة، والله تعالى يقول، وبقوله يهتدي المهتدون:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} فأمير المؤمنين يحتسب عند الله هذه الرزية التي عظم أمرها وفدح، وجرح خطبها وقدح، وغدت لها القلوب واجفة، والآمال كاسفة، ومضاجع السكون منقضة، ومدامع العيون مرفضة، فإن لله وإنا إليه راجعون! صبرًا على بلائه، وتسليمًا لأمره وقضائه، واقتداء بمن أثنى عليه في الكتاب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} .
وقد كان الإمام المستعلي بالله قدس الله روحه عند نقلته، جعل لي عقد الخلافة من بعده، وأودعني ما حازه من أبيه عن جده، وعهد إليَّ أن أخلفه في
العالم، وأجري الكافة في العدل والإحسان على منهجه المتعالم، وأطلعني من العلوم على السر المكنون، أفضى إلي من الحكمة بالغامض المصون، وأوصاني بالعطف على البرية، والعمل فيهم بسيرتهم المرضية، على علمي بما جبلني الله عليه من الفضل، وخصني به من إيثار العدل، وإنني فيما استرعيته سالك منهاجه، عامل بموجب الشرف الذي عصب الله لي تاجه، وكان ممن ألقاه إلي، وأوجبه علي، أن أعلى محل السيد الأجل الأفضل، من قلبه الكريم، وما يجب له من التبجيل والتكريم. وإن الإمام المستنصر بالله كان عندما عهد إليه، ونص بالخلافة عليه، أوصاه أن يتخذ هذا السيد الأجل خليفة وخليلا، ويجعله للإمامة زعيما وكفيلا، ويغدق به أمر النظر والتقرير، ويفوض إليه تدبير ما وراء السرير، وإنه عمل بهذه الوصية، وحذا على تلك الأمثلة النبوية، وأسند إليه أحوال العساكر والرعية، وناط أمر الكافة بعزمته الماضية، وهمته العلية؛ فكان قلمه بالسداد يرجف ولا يحف، وسيفه من دماء ذوي العناد يكِف ولا يكفّ، ورأيه في