سبل الهداية، ولا يكون أمرهم عليهم غمة يحمده أمير المؤمنين حمد شاكر على ما نقله فيه من درج الإنافة، ونقله إليه من ميراث الخلافة، صابر على الرزية التي أطار هجومها الباب، والفجيعة التي أطال طروقها الأسف والاكتئاب، ويسأله أن يُصلي على جده محمد خاتم أنبيائه وسيد رسله وأمنائه، ومجلي غياهيب الكفر ومكشف عمائه، الذي قام بما استودعه الله من أمانته، وحمله من أعباء رسالته، ولم يزل هاديًا إلى الإيمان، داعيًا إلى الرحمن؛
حتى أذعن المعاندون وأقر الجاحدون، وجاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون؛ فحينئذ أنزل الله عليه إتمامًا لحكمته التي لا يعترضها المعترضون:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي أكرمه الله بالمنزلة العلية، وانتخبه للإمامة رأفة بالبرية، وخصه بغوامض علم التنزيل، وجعل له مبرة التعظيم ومزية التفضيل، وقطع بسيفه دابر من زل عن القصد، وضل عن سواء السبيل، وعلى الأئمة من ذريتها العترة الهادية من سلالتهما آبائنا الأبرار المصطفين الأخيار، ما تصرفت الأقدار، وتوالى الليل والنهار.
وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدس الله روحه، كان ممن أكرمه الله بالاصطفاء، وخصه بشرف الاجتباء، ومكن له في بلاده، فامتدت أفياء عدله، واستخلفه في أرضه، كما استخلف أباه من قبله، وأيده بما استرعاه إياه بهدايته وإرشاده، وأمده بما استحفظه عليه بمواد توفيقه وإسعاده، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده. فلم يزل لأعلام الدين رافعًا، ولشبه المضلين دافعًا، ولراية العدل ناشرًا، وبالندى غامرًا وللعدو قاهرًا. إلى أن استوفى المدة المحسوبة، وبلغ الغاية الموهوبة؛ فلو كانت الفضائل تزيد في الأعمار، أو تحمي من ضروب الأقدار، أو تؤخر ما سبق تقديمه في علم الواحد القهار، لحمى نفسه النفيسة كريم مجدها وشريف سمها، وكفاها خطير منصبها، وعظيم