للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه أقام ستين سنة، ولم يقم هذه المدة خليفة ولا ملك في الإسلام قبله ولا بعده، وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

وولي بعده ابنه أبو القاسم أحمد، ولقب المستعلي، فأقام إلى أن توفي في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة.

وولي بعده ابنه أبو علي منصور، ولقب الآمر بأحكام الله. قال ابن ميسر في تاريخه: ولما توفي المستعلي أحضر الأفضل أبا علي، وبايعه بالخلافة، ونصبه مكان أبيه، ولقبه بالآمر بأحكام الله، وكان له من العمر خمس سنين وشهر وأيام، فكتب ابن الصيرفي (١) الكاتب السجل بانتقال المستعلي وولاية الأمر، وقرئ على رءوس كافة الأجناد والأمراء، وأوله:

من عبد الله ووليه أبي علي الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين بن الإمام المستعلي بالله، إلى كافة أولياء الدولة وأمرائها وقوادها وأجنادها ورعاياها، شريفهم ومشروفهم، وآمرهم ومأمورهم، مغربيهم ومشرقيهم، أحمرهم وأسودهم، كبيرهم وصغيرهم؛ بارك الله فيهم. سلام عليكم فإن أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، يسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين الأئمة المهديين، وسلم تسليمًا، أما بعد، فالحمد لله المنفرد بالثبات والدوام الباقي على تصرم الليالي والأيام، القاضي على أعمار خلقه بالتقصي والانصرام، الجاعل نقض الأمور معقودًا بكمال الإتمام، جاعل الموت حكمًا يستوي فيه جميع الأنام، ومنهلًا لا يعتصم من ورده كرامة نبي ولا إمام، والقائل معزيًا لنبيه ولكافة أمته: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ، الذي استرعى الأئمة هذه الأمة، ولم تخل الأرض من أنوارهم لطفًا بعباده ونعمة، وجعلهم مصابيح الشبه إذا غدت داجية مدلهمة، لتضيء للمؤمنين


(١) هو علي بن منجب بن سليمان، المعروف بابن الصيرفي المنشئ المؤرخ، وولي ديوان الإنشاء في أيام الآمر؛ توفي سنة ٥٤٢. ابن خلكان ١: ٣٦٧.