يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال والحريم، ففعلوا، وقاتلهم أهل مصر قتالًا عظيمًا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم. واجتمع الناس في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وجأروا إلى الله واستغاثوا به، وما انجلى الحال حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب نحو نصفها، وسبي حريم كثير وفعل بهن الفواحش. واشترى الرجال من سبي لهم من النساء والحريم من أيدي العبيد.
قال ابن الجوزي: ثم زاد ظلم الحاكم، وعنّ له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد، يا أحد، يا محيي يا مميت! قلت: كان في عصرنا أمير يقال له أزدمر الطويل، اعتقاده قريب من اعتقاد الحاكم هذا، وكان يروم أن يتولى المملكة، فلو قدر الله له بذلك فعل نحو ما فعله الحاكم وقد أطلعني على ما في ضميره، وطلب مني أن أكون معه على هذا الاعتقاد في الباطن إلى أن يؤول إلى السلطنة، فيقوم في الخلق بالسيف حتى يوافقوه على اعتقاده. فضقت بذلك ذرعًا، وما زلت أتضرع إلى الله تعالى في هلاكه، وألا يوليه على المسلمين، واستغاث بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسأل فيه أرباب الأحوال حتى قتله الله فلله الحمد على ذلك! ثم كان من أمر الحاكم أن تعدى شره إلى أخته يتهمها بالفاحشة، ويسمعها أغلظ الكلام، فعملت على قتله، فركب ليلة إلى جبل المقطم ينظر في النجوم، فأتاه عبدان فقتلاه، وحملاه إلى أخته ليلًا فدفنته في دارها، وذلك سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
وولي بعده ابنه أبو الحسن علي، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله فأقام إلى أن توفي في سبع وعشرين وأربعمائة، وكانت سيرته جيدة. وولي بعده ابنه أبو تميم معدّ، ولُقب المستنصر، وعمره سبع سنين، فطالت مدته جدا