والعادل أول من سكن قلعة الجبل بمصر من الملوك، سكنها في سنة أربعين وستمائة، ونقل إليها أولاد العاضد وأقاربه في بيت في صورة حبس، وكان ابنه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ينوب عنه بمصر في أيام غيبته، فاستقل بها بعد وفاته.
وفي هذه السنة نزلت الفرنج على دمياط، وأخذوا برج السلسلة، وكان حصنًا منيعا، وهو قفل بلاد مصر، وصفته أنه في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر؛ ومن هذا البرج إلى دمياط وهي على شاطئ البحر وحافة النيل سلسلة، ومنه إلى الجانب الآخر، وعلى الجسر سلسلة أخرى، ليمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل؛ فلا يتمكن من البلاد، فلما ملكت الفرنج هذا البرج شق ذلك على المسلمين بديار مصر وغيرها، ووصل الخبر إلى الملك العادل وهو بمرح الصفراء، فتأوه تأوها شديدًا، ودق بيده على صدره أسفا وحزنا، ومرض من ساعته مرض الموت.
ثم في سنة ست عشرة استحوذ الفرنج على دمياط، وجعلوا الجامع كنيسة لهم، وبعثوا بمنبره وبالربعات ورءوس القتلى إلى الجزائر، فإنا لله وإنا إليه راجعون! واستمرت بأيديهم إلى سنة سبع عشرة.
وكان الكامل عرض عليهم أن يرد إليهم بيت المقدس، وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد السواحل ويتركوا دمياط؛ فامتنعوا من ذلك (١) ؛ فقدر الله أنه ضاقت