عليهم الأقوات، فقدمت عليهم مراكب فيها ميرة، فأخذها الأسطول البحري، وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية، فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في أنفسهم، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى؛ حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن، فعند ذلك أنابوا إلى المصلحة بلا معارضة، وكان يومًا مشهودًا، ووقع الصلح على ما أراد الكامل، ومد سماطا عظيما، وقام راجح الحلي فأنشد:
هنيئاً فإن السعد أضحى مخلدًا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق فتحًا بدا لنا ... مبينًا وإنعاما وعزًا مؤيدا
إلى أن قال:
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعًا يخدمون محمدا
وكان حاضرا حينئذا الملك المعظم عيسى، والملك الأشرف موسى ابنا الملك العادل.
قال أبو شامة: وبلغني أنه لما أنشد هذا البيت، أشار إلى الملك المعظم عيسى والأشرف موسى، والكامل محمد؛ فكان ذلك من أحسن شيء اتفق، وتراجعت الفرنج إلى عكا وغيرها من البلدان. قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري لنفسه ببغداد، وقد ورد كتاب من ديار مصر إلى الديوان بانتصار المسلمين على الروم وفتح ثغر دمياط:
أتانا كتاب فيه نسخة نصرة ... ألخص معناها لذي فطن جلد
يقول ابن أيوب المعظم حامدًا ... لرب السماء الواحد الصمد الفرد
أمرنا بحمد الله جل ثناؤه ... وعز أرى دفريس في طالع السعد
تركنا من الأعلاج بالسيف مطعنًا ... ثلاثين ألفا للقشاعم والأسد
ومنهم ألوف أربعون بأسرنا ... فكم ملك في قبضنا صار كالعبد