للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشمل ما ببلاده من الحصون، والمعاقل والأحكام والإتقان، وينتهي في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع والإمكان، وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذخائر، ويمدها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر، وأن يتخير لحراستها من الأمناء الثقات (١) ، ويسدها بمن ينتخبه من الشجعان الكماة، وأن يؤكد عليهم في استعمال أسباب الحيطة والاستظهار، ويوقظهم إلى الاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار، وأن يكون المشار إليهم ممن تربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد، وتدربوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد، وكثرة العدد، والتوسعة في النفقة والعطاء، والعمل معهم بما يقتضيه حالهم، وتفاوتهم في التقصير والعناء، إذ في ذلك حسم لمادة الأطماع في بلاد الإسلام، وردُّ لكيد (٢) المعاندين من عبدة الأصنام؛ فمعلوم أن هذا الفرض أولى ما وُجِّهت إليه العنايات وصرفت، وأحق ما قصرت عليه الهمم ووقفت؛ فإن الله تعالى جعله من أهم الفروض التي لزم القيام فيها بحقه، وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه، فقال سبحانه وتعالى هاديا في ذلك إلى سبيل الرشاد، ومحرضًا لعباده على قيامهم له بفرض الجهاد: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ ... } ، إلى قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (٣) ، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نزل منزلا لا يخيف فيه المشركين ويخيفونه، كان له كأجر ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، وأجر قائم لا يقعد إلى يوم القيامة، وأجر صائم لا يفطر". وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غدوه في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس"، هذا قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حق من سمع هذه المقالة فوقف لديها، فكيف بمن كان قال


(١) صبح الأعشى: "النقاه".
(٢) ح، ط: "الكثير"، وصوابه من الأصل وصبح الأعشى.
(٣) سورة البقرة: ١٩١.