للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد آخذ الله أيوبًا بفعلته ... فالناس كلهم في ضر أيوب

ولما تولى الخليفة المستعصم أنفذ الصالح إليه رسوله، يطلب تقليدًا بمصر والشام، فجاءه التشريف والطوق الذهب والمركوب، فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبة، وركب الفرس، وكان يوما مشهودا.

فلما كان سنة سبع وأربعين، هجمت الفرنج على دمياط، فهرب من كان فيها، واستحوذوا عليها، والملك الصالح مقيم بالمنصورة لقتالهم، فأدركه أجله ومرض ومات بها ليلة النصف من شعبان. فأخفت جاريته شجر الدر موته، وبقيت تعلم بعلامته سواه، وأعلمت أعيان الأمراء، فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم تورانشاه وهو بحصن كيفا، فقدم في ذي القعدة، وملكوه، فركب في عصائب الملك، وقاتل الفرنج وكسرهم، وقتل منهم ثلاثين ألفا ولله الحمد.

وكان في عسكر المسلمين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكانت النصرة أولا للفرنج، وقويت الريح على المسلمين، فقال الشيخ عز الدين بأعلى صوته مشيرًا بيده إلى الريح: يا ريح خذيهم، عدة مرار، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج، وصرخ من المسلمين صارخ: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا سخر له الريح، وكان ذلك في يوم الأربعاء ثالث المحرم. وأسر الفرنسيس ملك الفرنج، وحبس مقيدًا بدار

ابن لقمان، ووكل بحفظه طواشي يقال له: صبيح. ثم نفرت قلوب العسكر من المعظم لكونه قرب مماليكه، وأبعد مماليك أبيه، فقتلوه في يوم الاثنين سابع عشر المحرم وداسوه بأرجلهم، وكانت مملكته شهرين.

قال ابن كثير وقد رئي أبوه الصالح في النوم بعد قتل ابنه، وهو يقول:

قتلوه شر قِتْلَهْ ... صار للعالم مثله