للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شررها إلى البحر في الليل، ويصعد منها دخان عظيم في أثناء النهار (١) ، فتاب الناس وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا في أفعال الخير والصدقات (٢) .

وفي سنة أربع وخمسين زادت دجلة زيادة مهولة، فغرق خلق كثير من أهل بغداد، ومات خلق تحت الهدم، وركب الناس في المراكب، واستغاثوا بالله،

وعاينوا التلف، ودخل الماء من أسوار البلاد، وانهدمت دار الوزير وثلثمائة وثمانون دارا، وانهدم مخزن الخليفة، وهلك شيء كثير من خزانة السلاح (٣) .

قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: وكان ذلك من جملة الأمور، التي هي مقدمة لواقعة التتار.

وفي هذه السنة، في يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، وقع بالمدينة الشريفة صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة، وأقام على هذه الحالة يومين، فلما كان ليلة الأربعاء تعقب الصوت زلزلة عظيمة، رجفت منها الأرض والحيطان، واضطرب المنبر الشريف، واستمرت تزلزل ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر، ظهر من الحرة نار عظيمة، وسالت أودية منها سيل الماء، وسالت الجبال نارًا، وسارت نحو طريق الحاج العراقي، فوقفت وأخذت تأكل الأرض أكلا، ولها كل يوم صوت عظيم من آخر الليل إلى الضحوة، واستغاث الناس بنبيهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقلعوا عن المعاصي، واستمرت النار فوق الشهر، وخسف القمر ليلة الاثنين منتصف الشهر، وكسفت الشمس في غدوة، وبقيت أياما متغيرة اللون ضعيفة النور، واشتد فزع الناس، وصعد علماء البلد إلى الأمير يعظونه، فطرح المكوس، ورد على الناس ما كان تحت يده من أموالهم (٤) .


(١) بعدها فيما نقله ابن كثير: "فما شكوا أنها النار التي ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها تظهر في آخر الزمان".
(٢) نقله ابن كثير في البداية والنهاية ١٣: ١٨٥.
(٣) البداية والنهاية ١٣: ١٩٠، ١٩١.
(٤) البداية والنهاية ١٣: ١٨٧.