للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أجرى الله تعالى عادته إن العامة إذا زاد فسادها وانتهكوا حرمات الله، ولم تقم عليهم الحدود أرسل الله عليهم آية في إثر آية، فإن لم ينجح ذلك فيهم أتاهم بعذاب من عنده، وسلط عليهم من لا يستطيعون له دفاعا؛ وقد وقع في هذه السنين ما يشبه الآيات الواقعة في مقدمات واقعة التتار، وأنا خائف من عقبى ذلك، فاللهم سلم سلم! فأول ما وقع في سنة ثلاث وثمانين حصول قحط عظيم بأرض الحجاز.

وفي سنة خمس وثمانين لم يزد النيل القدر الذي يحصل به الري، ولا ثبت المدة التي يحتاج إلى ثبوته فيها، فأعقب ذلك غلاء الأسعار في كل شيء (١) .

وفي سنة ست وثمانين في سابع عشر المحرم زلزلت مصر زلزلة منكرة لها دوي شديد، وقع بسببها قطعة من المدرسة الصالحية على قاضي الحنفية شمس الدين بن عيد، وكان من خيار عباد الله فقتلته.

وفي ليلة ثالث عشر رمضان من هذه السنة، نزلت صاعقة من السماء على المسجد الشريف النبوي، فأحرقته بأسره وما فيه من خزائن وكتب، وأحرقت الحجرة الشريفة والمنبر والسقوف، ولم يبق سوى الجدران، واحترقت فيه جماعة من أهل الفضل والخير؛ وكان أمرًا مهولا.

وفي هذه السنة وقع بالغربية برد كبار بحيث قتل كثيرا من الطير؛ وقيل: إن وزن البردة سبعون درهما.

وفي سنة سبع وثمانين ورد الخبر بأن صاعقة نزلت بحلب، وبأن الفناء وقع ببغداد وبلاد الشرق عظيما جدًّا حتى قيل: إنه عد ببغداد من تأخر من الرجال؛ فكانوا مائتين واثنين وأربعين نفسا.

وفي ذي الحجة وردت الأخبار بأنه حصل بمكة في يوم الأربعاء رابع عشر من ذي القعدة


(١) البداية والنهاية.