سيل عظيم بحيث دخل البيت الشريف، فكان فيه قامة، وأخرب بيوتا كثيرة، وهدم جملة من أساطين الحرم، ووجد في المسجد من الغرقاء سبعين إنسانًا، وخارج المسجد خمسمائة نفس، واستمر الماء في المسجد إلى يوم السبت، ولم تصل الجمعة. وكتب القاضي برهان الدين بن ظهيرة إلى مصر كتابا بذلك يقول فيه: إن هذا السيل لم يعهد مثله لا في جاهلية ولا في إسلام، وإنه ذرع موضع وصوله في المسجد؛ فكان سبع أذرع وثلث ذراع؛ وقد قلت في ذلك هذه الأبيات:
في عام ست أتى المدينة في ال ... مسجد نارًا فأفنته بالحرق
وعام سبع أتى لمكة في ال ... مسجد سيل قد عم بالغرق
وقبلها القحط بالحجاز فشا ... ومصر قد زلزلت من الفرق
وانهبط النيل غير منتفع ... به وضاقت معايش الفرق
فهذه جملة أتت نذرًا ... مستوجبات للخوف والقلق
فليحذر الناس أن يحل بهم ... ما حل بالأولين من حنق
ولما أخذ التتار بغداد، وقتل الخليفة، وجرى ما جرى، أقامت الدنيا بلا خليفة ثلاث سنين ونصف سنة؛ وذلك من يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة ست وخمسين، وهو يوم قتل الخليفة المستعصم -رحمه الله- إلى أثناء سنة تسع وخمسمائة؛ فلما كان في رجب من هذه السنة قدم أبو القاسم أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله، وهو عم الخليفة المستعصم وأخو المستنصر، وقد كان معتقلًا ببغداد ثم أطلق، فكان مع جماعة من الأعراب بالعراق، ثم قصد الملك الظاهر حين بلغه ملكه، فقدم عليه الديار المصرية صحبة جماعة من أمراء الأعراب
عشرة، منهم الأمير ناصر الدين مهنا، وكان دخوله إلى القاهرة في ثاني رجب