للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها الناس، اعلموا أن الإمامة فرض من فروض الإسلام، والجهاد محتوم على جميع الأنام، ولا يقوم علم الجهاد، إلا باجتماع كلمة العباد، ولا سبيت الحرم إلا بانتهاك المحارم، ولا سفتن الدماء إلا بارتكاب المآثم، فلو شاهدتم أعداء (١) الإسلام حين دخلوا دار السلام، واستباحوا الدماء والأموال، وقتلوا الرجال والأطفال "وسبوا الصبيان والبنات، وأيتموهم من الآباء والأمهات"، وهتكوا حرم الخلافة والحريم، وأذاقوا من استبقوا العذاب الأليم؛ فارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل، وعلت الضجات من هول ذلك اليوم الطويل؛ فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه، وكم من طفل بكى فلم يرحم لبكائه! فشمروا ساق الاجتهاد في إحياء فرض الجهاد.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢) ، فلم تبق معذرة في القعود عن أعداء الدين، والمحاماة عن المسلمين.

وهذا السلطان الملك الظاهر، السيد الأجل العالم العادل المجاهد المؤيد، ركن الدنيا والدين، قد قام بنصر الإمامة عند قلة الأنصار، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقود، والدولة العباسية به متكاثرة الجنود.

فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة، وأخلصوا نياتكم تنصروا، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، ولا يرد عنكم ما جرى؛ فالحرب سجال والعاقبة للمتقين. والدهر يومان والآخر للمؤمنين؛ جمع الله على التقوى أمركم، وأعز بالإيمان نصركم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم (٣) .


(١) في الأصول: "أهل"، والصواب ما أثبته من ابن كثير.
(٢) سورة التغابن: ١٦.
(٣) نقلها ابن كثير في البداية والنهاية ١٣: ٢٢٨.