للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ممن شهد الواقعة معه وهرب فيمن هرب أبو العباس أحمد بن الأمير أبي علي الحسن القبي (١) بن الأمير علي بن الأمير أبي بكر أمير المؤمنين المسترشد بالله فقصد الرحبة، وجاء إلى عيسى بن مهنا، فكاتب فيه الملك الظاهر (٢) فطلبه، فقدم القاهرة ومعه ولده وجماعة، فدخلها في سابع عشر ربيع الآخر فتلقاه السلطان، وأظهر السرور به، وأنزله بقلعة الجبل، وأغدق عليه، واستمر بقية العام بلا مبايعة، والسكة تضرب باسم المستنصر المقتول أول العام.

فلما كان يوم الخميس ثامن المحرم سنة إحدى، وستين جلس السلطان مجلسا عاما، وجاء أبو العباس المذكور راكبًا إلى الإيوان الكبير، وجلس مع السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، فقرئ نسبه على الناس، ثم أقبل عليه السلطان وبايعه بإمرة المؤمنين. ثم اقبل هو على السلطان، وقلده الأمور، ثم بايعه الناس على طبقاتهم، ولقب الحاكم بأمر الله؛ وكان يوما مشهودا.

فلما كان من الغد يوم الجمعة خطب الخليفة بالناس، فقال في خطبته:

الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنًا وظهيرًا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا، أحمده على السراء والضراء، وأستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء، وأستنصره على الأعداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء، وأئمة الاقتداء "لا سيما" (٣) الأربعة الخلفاء، وعلى العباس عمه، وكاشف غمه، وعلى السادة (٤) الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


(١) ضبطه في تاريخ الخلفاء: "بضم القاف وتشديد الباء الموحدة".
(٢) تاريخ الخلفاء: "فطالع به الناصر صاحب دمشق".
(٣) من البداية والنهاية لابن كثير.
(٤) ابن كثير: "أبى السادة".