للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحر له مجاورًا، والعدو له متلفتًا ناظرًا؛ لا سيما ثغور الديار المصرية، فإن العدو وصل إليها وأتى وراح خاسرا، واستأصلهم الله فيها حتى ما أقال منهم عاثرا. وكذلك أمر الأسطول الذي تزجى خيله كالأهلة، وركائب سائقه بغير سائق مستقلة، وهو أخو الجيش السليماني، فإن ذاك غدت الرياح له حاملة، وهذا تكفلت بحملة المياه السائلة. وإذا لحظها جارية في البحر كانت كالأعلام، وإذا شبهها قال: هذه ليال تقلع بالأيام. وقد ساق الله لك من السعادة كل مطلب، وآتاك من أصالة الرأي الذي يريك المغيب، وبسط بعد القبض منك الأمل، ونشط بالسعادة ما كان من كسل. وهداك إلى مناهج الحق وما زلت مهتديًا إليها، وألزمك المراشد ولا تحتاج إلى تنبيه عليها. والله يمدك بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه، فإن النعمة تستتم بشكره (١) !

ثم ركب السلطان بهذه الأبهة والقيد في رجليه، والطوق في عنقه، والوزير بين يديه، وعلى رأسه التقليد، والأمراء والدولة مشاة سوى القاضي والوزير. فشق القاهرة وقد زينت له، وكان يومًا عظيمًا.

ثم طلب الخليفة من السلطان أن يجهزه إلى بغداد، فرتب له جندا، وأقام له كل ما يحتاج إليه، وعزم عليه ألف ألف دينار. وسار السلطان صحبته إلى دمشق، فدخلاها يوم الاثنين سابع ذي القعدة، وصليا فيها الجمعة. ثم رجع السلطان إلى مصر وسار الخليفة ومعه ملوك الشرق، ففتح الحديثة (٢) ثم هيت، فجاءه عسكر من التتار فتصافوا، فقتل من المسلمين جماعة، وعدم الخليفة، فلا

يدرى: أقتل (٣) أم هرب! وذلك في ثالث المحرم سنة ستين. فكانت خلافته دون ستة أشهر.


(١) التقليد في السلوك ١: ٤٥٣-٤٥٧.
(٢) ح، ط: "الحديث"، والصواب ما أثبته من تاريخ الخلفاء ٤٧٨.
(٣) تاريخ الخلفاء: "فقيل: قتل هو والظاهر، وقيل: سلم وهرب فأضمرته البلاد".