عبد صفا ودا وزمزم حاديًا ... وسعى على العينين قبل الرأس
أمداحه في آل بيت محمد ... بين الورى مسكية الأنفاس
ولما دخل الخليفة القاهرة شقها والأمراء بين يديه، فاستمر إلى القلعة، فنزل بها ونزل شيخ الإصطبل بباب السلسلة (١) .
ثم في ثامن ربيع الآخر صعد شيخ والأمراء إلى القصر، وجلس الخليفة على تخت الملك، فخلع على شيخ خلعة عظيمة بطراز لم يعهد مثلها، وفوض إليه أمر المملكة بالديار المصرية في جميع الأمور، وكتب له أن يولي ويعزل من غير مراجعة، وأشهد عليه بذلك؛ ولقب نظام الملك؛ فكانت الأمراء إذا فرغوا من
الخدمة بالقصر، نزلوا في خدمة شيخ إلى الإصطبل؛ فأعيدت الخدمة عنده، ويقع عنده الإبرام والنقص، ثم يتوجه دواداره إلى المستعين، فيعلم على المناشير والتواقيع. ثم إنه تقدم إليه بألا يمكن الخليفة من كتابة العلامة إلا بعد عرضها عليه، فاستوحش الخليفة عليه، وضاق صدره، وكثر قلقله. فلما كان في شعبان سأل شيخ الخليفة أن يفوض إليه السلطنة على العادة، فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته، فلم يوافق شيخ على النزول، بل استنظره أياما.
ثم إنه نقل المستعين من القصر إلى دار من دور القلعة، ومعه أهله، ووكل به من يمنعه الاجتماع بالناس، فبلغ ذلك نوروز، فجمع القضاة والعلماء في سابع ذي القعدة، واستفتاهم عما صنعه شيخ بالخليفة، فأفتوه بعدم جواز ذلك؛ فأجمع على قتال شيخ، واستمر المستعين في القلعة إلى ذي الحجة سنة ست عشرة، وهو باق على الخلافة، فلما عزم شيخ إلى الشام خشي من غائلته، وأراد خلعه فراجع البلقيني في ذلك. وكان في نفسه من المستعين شي لكونه عزله، فرتب له دعوى شرعية، وحكم بخلعه من الخلافة،
(١) تاريخ الخلفاء: "وفوض إليه المستعين تدبير المملكة الإسلامية ولقبه نظام الملك".