وبايع بالخلافة أخاه أبا الفتح داود، ولقب المعتضد بالله، وسير المستعين إلى الإسكندرية، فأقام بها إلى أن مات شهيدًا بالطاعون، في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين.
واستقرت الخلافة باسم المعتضد، وكان من سروات الخلفاء، نبيلًا ذكيا فاضلا، يجالسه العلماء والفضلاء، ويستفيد منهم ويشاركهم فيما هم فيه، جوادًا سمحًا، وطالت مدته في الخلافة نحو ثلاثين سنة، فلما حضرته الوفاة عهد بالخلافة إلى شقيقه أبي الربيع سليمان، ولقب المستكفي بالله؛ وكان والدي خصيصا به، فكتب له العهد بيده وهذه صورته:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أشهد على نفسه الشريفة حرسها الله وحماها، وصانها من الأكدار ورعاها، سيدنا ومولانا ذو المواقف الشريفة الطاهرة الزكية الإمامية الأعظمية العباسية النبوية المعتضدية، أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين، ووارث الخلفاء الراشدين، المعتضد بالله تعالى أبو الفتح داود، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين؛ أنه عهد إلى شقيقه المقر العالي المولوي
الأصيلي العريقي الحسيبي النسيبي السليلي سيدي أبي ربيع سليمان المستكفي بالله، عظم الله شأنه، بالخلافة المعظمة، وجعله خليفة بعده، ونصبه إماما على المسلمين، عهدًا شرعيًّا، معتبرًا مرضيًّا، نصيحة للمسلمين، ووفاء بما يجب عليه من مراعاة مصالح الموحدين، واقتداء بسنة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين.
وذلك لما علم من دينه وخيره، وعدالته وكفالته وأهليته، واستحقاقه بحكم أنه اختبر حاله، وعلم طويته، وأنه الذي يدين الله به أتقى لله ممن رآه، وأنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك، وإنه إن ترك الأمر هملا من غير تفويض للمشار إليه أدخل إذ ذاك المشقة على أهل الحل، والعقد في اختيار من ينصبونه للإمامة، ويرتضونه لهذا الشأن، فبادر إلى هذا الشان، شفقة عليهم، وقصدًا لبراءة ذمتهم ووصول الأمر