للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطائفين، فسقط لوقته على رأسه، وصرخ الناس صرخة عظيمة تعجبا من ظهور قدرة الله، وانقطع ظهره، ولولا تداركه من تحته لهلك؛ وعلم بذنبه، فتصدق بمال جزيل.

ثم حج الناصر حجة ثالثة في سنة اثنتين وثلاثين، وهو الذي حفر الخليج الناصري الداخل من قنطرة قديدار (١) ، وعزم على أن يجري النيل تحت القلعة، ويشق له من ناحية حلوان، فثبطه عن ذلك فخر الدين ناظر الجيش، وقال: إنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال، ولا يدري: هل يصح أو لا! فرجع عنه.

واستمر الناصر إلى أن مات يوم الأربعاء عاشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين. وهو أطول ملوك الترك مدة.

وأقيم بعده ولده سيف الدين أبو بكر، ولقب الملك المنصور، فأقام دون الشهرين، ثم خلع في يوم الأحد العشرين من صفر سنة اثنتين وأربعين، ونفي هو وأخوته إلى قوص، وتهتكت حريم أبيه الناصر، وكثر البكاء والعويل بالقاهرة. وكان يومًا من أشنع الأيام، ثم قتل بقوص، وأقيم بعده أخوه علاء الدين كحك ولقب الملك الأشرف، وعمره دون ست سنين، فقال بعض الشعراء في ذلك:

سلطاننا اليوم طفل والأكابر في ... خلف وبينهم الشيطان قد نزغا

فكيف يطمع من تغشاه مظلمة ... أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا

فأقام خمسة أشهر، ثم خلع في أول شعبان، واعتقل بالقلعة إلى أن مات سنة ست وأربعين، قال صاحب السكردان: والله أعلم كيف موته (٢) .

وأقيم أخوه شهاب الدين أحمد ولقب الملك الناصر، وكان قدم من الكرك، وكان


(١) قنطرة قديدار، كانت على الخليج الناصري، وانظر حواشي النجوم الزاهرة ٩: ٨٢.
(٢) السكردان: ٥٨.