للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان كثيرًا رشده، حسنا هديه وقصده، وكان قريبًا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فان أولئك لم يؤتوا من جهالة، ولا حرموا من مقالة، ولا حدث في زمانهم بدعة وكل بدعة ضلالة، ونحن نرجو أن يكون ذلك الرجل الذي وزن بالناس فرجح وزنه، وسبق القرون الأولى وإن تأخر قرنه. ولقد ألبسنا الله بك لباسًا يبقى جديدًا، ويسرنا للعمل الذي يكون محضرًا، لا للعمل الذي نود لو أن بيننا وبينه أمدا بعيدا. وإياك ثم إياك أن تقف معنا موقف الاعتذار، وما

نخشى عليك إلا الشيطان الناقل للطباع في تقليب الأطوار، ولطالما أقام عابدًا من مصلاه، وغره بامتساك حبله ودلاه، ولمكانتك عندنا أضربنا عن وصيتك صفحًا، وتوسمنا أن صدرك قد شرحه الله فلم نزده شرحًا؛ والذي تضمنه تقليد غيرك من الوصايا لم يسفر إلا عن نقاب خطأ الأقلام، وقصر أقوالها عن المماثلة من مراتب أولي التعليم وبين العلماء الأعلام، ولا يفتقر إلى ذلك إلا من ثقل منصب القضاء على كاهله، وقضى جهله بتحريمه عليه، وفرق بين عالم أمرٍ وجاهله.

وأما أنت فإن علم القضاء بعض مناقبك، وهو من أوانسك لا من غرائبك؛ لكن عندنا أربع من الوصايا لا بد من الوقوف فيها على سنن التوقيف، وإبرازها إلى الأسماع في لباس التحذير والتخويف: فالأولى منهن، وهي المهم الذي زاغت عنه الأبصار، وهلك من هلك فيه من الأبرار، ولربما سمعت هذا القول فظننته مما تجوز في مثله القائلون، وليس كذلك بل هو نبأ عظيم أنتم غافلون، وسنقصه عليك كما فوضناه إليك؛ وذلك هو التسوية في الحكم بين أقوالك وأفعالك، والأخذ من صديقك لعدوك ومن يمينك لشمالك. وقد علمت أنه لم تخل دولة من الدول من قوم يعرفون بطيش الحلوم، ويغترون بقرب السلطان وهو ظل عليهم ولا يدوم، وإذا دعوا لمجلس الحكم حملهم البطر والأشر على الامتناع من مساواة الخصوم، ولا يفرق بين هؤلاء وبين