للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجتهدين، وعولنا على توفيق الله معتضدين، وقدمنا قبل ذلك صلاة الاستخارة وهي سنة متبوعة، وبركة في

الأعمال موضوعة؛ لا جرم أنا أرشدنا في أثرها إلى من صرح الرشد فيه بآثاره، وقال الناس هذا هو الذي جاء على فترة من وجود انتظاره (١) ؛ وهو أنت أيها القاضي فلان، مهد الله لجنبك، وجعل التوفيق من صحبك، وأنزل الحكمة على يدك ولسانك وقلبك؛ وقد قلدناك هذا المنصب بمدينة مصر وأعمالها، وهي مصر من الأمصار تجمع وجوهًا وأعيانًا، وقد رسم بأنه كرسي مملكته عزًّا وتبيانًا، وعظمت سلطانا، ولما قلدناك هو علمنا أنه سيعود وهو بك غض طري، وإن ولايته نيطت منك بكفء فهي بك حرية وأنت بها حري، ممن طلبها ومن الناس فإنها لم تكن عندك مطلوبة، ومن انتسب في وجاهته إليها فليست وجاهتك إليها منسوبة، وما أردت بها شيئا سوى تحمل الأثقال، وبيع الراحة بالتعب في الأشغال؛ وتعريض النفس لمضاضة الضيم والحيف، والوقوف على الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف؛ ولكنك في خلال ذلك تشتري الجنة بساعة من ساعاتك، وإذا رعيت مقام ربك فقد أرصدته لمارعاتك؛ وليس في الأعمال الصالحة أقوم من إحياء حق وضع في لحده، أورد حق مطلت الأيام برده.

فاستخر الله تعالى، وتول ما وليناك بعزيمة؛ لأنك بها شامة، ولا تأخذها في الله ملامة. وهذا زمان قد تلاشت فيه العلوم، وعفت رسوم الشريعة حتى صارت كالرسوم، ومشت الأمة المطيطى (٢) وخلفها ابنا فارس والروم؛ وإذا نظر إلى دين الله وجد وقد خلط أمره خلطا، وتخطى رقاب الناس من هو جدير بأن يتخطى، وآذنت الساعة بالاقتراب حتى كاد أن يستوي ما بين السبابة والوسطى؛ والمتصدي لحفظه يعد ثقله بثقلين، وفضله بفضلين، ويؤتيه الله من رحمته كفلين، وحق له أن يتقدم على السلف الصالح الذي


(١) ح: "أنظاره".
(٢) المطيطى: مشية التبختر.