للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفاته أن يكون قلمه سائحًا، وخطه واضحا؛ وإذا استكمل ذلك فلا يستصلح حتى يكون العفاف شعاره، والأمانة عياره، والحفظ والعلم سوره وسواره، وهذا الرجل إن خلوت به فامض يده فيما يقول ويفعل، واستتم إليه استتامة الواثق الذي لا يخجل؛ والله يختار لنا فيما بيناه من المراشد، ويجعل أقوالنا ثمارا يانعة إذا كانت الأقوال من الحصائد.

وبعد أن بوأناك هذه المكانة، وحملناك هذه الأمانة، فقد رأينا أن نجمع لك من تنفيذ الأحكام وحفظ أصولها، وألا نخليك من النظر في دليلها ومدلولها؛ فإن الترك يوحش العلوم من معهود أماكنها، ويذهب بها من تحت أقفال خزائنها، ومنصب التدريس كمنصب القضاء أخ يشد (١) من عضده، ويكثر من عدده؛ فتول المدرسة الفلانية عالمًا أنك قد جمعت بين سيفين (٢) في قراب، وسلكت بابين إلى تحصيل الثواب، وركبت أعز مكان وهو تنفيذ الحكم، وجالست خير جليس وهو الكتاب.

ونحن نوصيك بطلبة العلم وصيتين؛ إحداهما أعظم من الأخرى؛ وكلتاهما ينبغي أن تصرف إليهما من اهتمامك شطرا؛ فالأولى أن تتخولهم (٣) في أوقات الاشتغال، وتكون لهم كالرائض الذي لا يبسط لهم بساط الراحة ولا يكلفهم مشقة الكلال. والثانية أن تدر عليهم أرزاقهم إدرار (٤) المسامح، وتنزلهم فيها على قدر الإفهام والقرائح؛ وعند ذلك لا تعدم منهم منبعا في كل حين، ويسرك في حالتيه من دنيا ودين؛ والله يتولاك فيما تنويه صالحة، ويوفقك للعمل بها لا لأن يكون في قلبك سانحة. وقد فرضنا لك في بيت المال قسما طيبا مكسبه، هنيئا مأكله ومشربه؛ لا تعاقب غدا على كثيره، وإن حوسبت على فتيله ونقيره (٥) . والمفروض في هذا المال ينبغي أن يكون على


(١) ط: "يشهد" تحريف.
(٢) ح، ط: "سبعين" تحريف.
(٣) تتخولهم: تتعهدهم.
(٤) ط: "إذرار" تحريف.
(٥) فتيله وتقيره؛ أي على الصغير والكبير.