للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب، وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ويبيعنا ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب

السلطان ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج. فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي إيش تعمل؟ فقال: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا.

فتم ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا، وغالى في ثمنهم ولم يبعهم إلا بالثمن الوافي، وقبضه وصرفه في وجوه الخير.

وأتفق له في ولايته القضاء عجائب وغرائب، وفيه يقول الأديب أبو الحسين يحيى بن عبد العزيز الجزار:

سار عبد العزيز في الحكم سيرًا ... لم يسره سوى ابن عبد العزيز

عمنا حكمه بعدل وسيط ... شامل الورى، ولفظ وجيز

ولما عزل الشيخ نفسه عن القضاء، تلطف السلطان في رده إليه، فباشره مدة، ثم عزل نفسه منه مرة ثانية، وتلطف مع السلطان في إمضاء عزله، فأمضاه وأبقى جميع نوابه من الحكام، وكتب لكل حاكم تقليدا، ثم ولاه تدريس مدرسته التي أنشأها بين القصرين (١) .

وولي بعده أفضل الدين محمد الخونجي صاحب المنطق والمعقولات، فأقام إلى أن


(١) رفع الإصر: ٣٥٠-٣٥٣.