للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرحوم، وما أنا وإياكم أيها النفر إلا كما قال حبيب العجمي، وقد قال له قائل: ليتنا، لم نخلق! قال: قد وقعتم فاحتالوا!.

وإن خفي عليك مثل هذا الخطر، وشغلتك الدنيا عن معرفة الوطر، فتأمل كلام النبوة: "القضاة ثلاثة قاض في الجنة، وقاضيان في النار"، وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر مشفقا عليه: "لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وما أنا والسير في متلف مبرح بالذاكر الضابط، هيهات جف القلم، ونفذ حكم الله، فلا راد لما حكم. إيه، ومن هناك شم الناس من فم الصديق رائحة الكبد المشوي. وقال الفاروق: ليت أم عمر لم تلده! وقال علي والخزائن مملوءة ذهبا وفضة: من يشتري سيفي هذا ولو وجدت ما أشتري به رداء ما بعته. وقطع الخوف نياط قلب عمر بن عبد العزيز فمات من خشية العرض، وعلق بعض السلف سوطا يؤدب به نفسه إذا فتر. فترى ذلك سدى، أم نحن المقربون وهم البعداء! فهذه أحوال لا تؤخذ من كتاب السلم، والإجارة (١) ، والجنايات، وإنما تنال بالخضوع والخشوع، وأن تظمأ وتجوع.

ومما يعينك على الأمر الذي دعوتك إليه، ويزودك في السفر المعرض عليه، أن تجعل لك وقتا وتعمره بالتذكر والتفكر، وإنابة تجعلها معدة لجلاء قلبك، فإنه إن استحكم صداه صعب تلافيه، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه.

فاجعل أكثر همومك الاستعداد ليوم المعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد، فإنه يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

ومهما وجدت من همتك قصورًا، واستشعرت من نفسك عما بدا لها نفورا، فاجررها إليه وقف ببابه واطلب، فإنه لا يعرض عمن صدق، ولا يعزب عن علمه خفايا الضمائر {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} .


(١) النجوم الزاهرة.