للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاجين، فقام إليه السلطان، وقبل يده؛ فلم يزده على قوله: أرجوها لك بين يدي الله. وكان يكتب إلى نوابه، ويعظهم ويبالغ في وعظهم، ومع ذلك رآه بعض خيار أصحابه في المنام وهو في مسجد، فسأله عن حاله، فقال: أنا معوق ههنا بسبب نوابي. هذا مع الاحتراز التام والكرامات الصحيحة الثابتة عنه. فهذا كله كلام الإسنوي.

ومن لطائفه ما كتب إلى نائبه بإخميم: صدرت هذه المكاتبة إلى مجلس مخلص الدين، وفقه الله تعالى لقبول النصيحة، وآتاه لما يقربه إليه قصدا صحيحا ونية صحيحة، أصدرناه إليه بعد حمد الله الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ويمهل حتى لا يلتبس الإمهال بالإهمال على المغرور؛ وتذكره بأيام الله {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (١) ، ونحذره صفقة من باع الآخرة

بالدنيا فما أحد سواه مغبون؛ عسى الله أن يرشده بهذا التذكار وينفعه، وتأخذ هذه النصائح بحجزته عن النار؛ فإني أخاف أن يتردى فيخر من ولاه معه. والعياذ بالله. والمقتضي لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستحكمة على القلوب، ومن تقاعد الهمم مما يجب للرب على المربوب، ومن أنسهم بهذه الدار وهم يزعجون عنها، وعلمهم بما بين أيديهم من عقبة كؤود وهم لا يتخففون منها. ولا سيما القضاة الذين تحملوا أعباء الأمانة على كواهل ضعيفة، وظهروا بصور كبار وهمم نحيفة، ووالله إن الأمر عظيم، والخطب جسيم؛ ولا أرى مع ذلك أمنا ولا قرارا، ولا راحة ولا استمرارا، اللهم إلا رجلا نبذ الآخرة وراه، واتخذ إلهه هواه، وقصر همه وهمته على حظ نفسه ودنياه، فغاية مطلبه حب الجاه. والرغبة في قلوب الناس وتحسين الزي والملبس، والركبة والمجلس، غير مستشعر خساسة حاله ولا ركاكة مقصده، فإنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور.

فاتق الله الذي يراك حين تقوم، وأقصر أملك عليه فإن المحروم من فضله غير


(١) الحج: ٤٧.