للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وولي بعده تقي الدين عبد الرحمن بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز، مضافا لما كان معه من قضاء مصر؛ فإنه وليه بعد موت البهنسي، وكان من أحسن القضاة سيرة، وكان ابن السلعوس وزير الملك الأشرف يكرهه؛ فعمل عليه، ورتب من شهد عليه بالزور بأمور عظام، منها أنهم أحضروا شابا حسن الصورة، واعترف

على نفسه بين يدي السلطان بأن القاضي لاط به، وأحضروا من شهد بأنه يحمل الزنار في وسطه، فقال القاضي: أيها السلطان كل ما قالوه ممكن؛ ولكن حمل الزنار لا يعتمده النصراني، تعظيمًا ولو أمكنه تركه لتركه؛ فكيف أحمله! ثم عزل القاضي، وكان رجلًا صالحًا لا يشك فيه، بريئا من كل ما رمي به.

وولي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة؛ وذلك في رمضان سنة تسعين وستمائة، فتوجه القاضي تقي الدين إلى الحجاز، ومدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقصيدة، وكشف رأسه، ووقف بين يدي الحجرة الشريفة، واستغاث بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقسم عليه ألا يصل إلى وطنه إلا وقد عاد إلى منصبه، فلم يصل إلى القاهرة إلا والأشرف قد قتل، وكذلك وزيره، فأعيد إلى القضاء، ووصل إليه الخبر بالعود قبل وصوله إلى القاهرة، وذلك في أول سنة ثلاث وتسعين؛ فأقام في القضاء إلى أن مات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين.

وولي بعده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد بعد امتناع شديد، حتى قالوا له: إن لم تفعل ولوا فلانا أو فلانا -لرجلين لا يصلحان للقضاء- فرأى أن القبول واجب عليه حينئذ. ذكره الإسنوي في الطبقات. قال ابن السبكي: وعزل نفسه غير مرة ثم يعاد. قال الإسنوي: وكانت القضاة يخلع عليهم الحرير، فامتنع الشيخ من لبس الخلعة، وأمر بتغييرها إلى الصوف، فاستمرت إلى الآن. وحضر مرة عند السلطان