للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تضمنه هذا السجل من تقريظه وأوصافه، فالذي تشتمل عليه ضمائرنا أضعاف أضعافه؛ وكذلك شرفناه بجميع التدبير والإنالة، ورفعناه إلى أعلى رتب الاصطفاء بما جعلناه له من الكفالة، والله تعالى يعضد به دولتنا، ويحوط به حوزتنا، ويمده بمواد التوفيق والتأييد، ويجعل أيامه في وزارتنا ممنوحة بآيات الاستمرار والتأييد، إن شاء الله تعالى.

قلت: كانت الوزارة قديمًا تعدل السلطنة الآن، فإن الوزير كان نائب الخليفة في بلده، يفوض إليه جميع أمور المملكة، وتولية من رآه من القضاة ونواب البلاد وتجهيز العساكر والجيوش وتفرقة الأرزاق، إلى غير ذلك مما هو الآن وظيفة السلطان وكان الوزير يلقب بألقاب السلطنة الآن كالملك الصالح ونحوه، وقد تقهقر أمر الوزير حتى قال بعض وزراء القرن السابع: الوزير الآن عبارة عن "حوش كاش عفش" يشتري اللحم والحطب وحوايج الطعام، والأمر كما قال.

وأقام ابن رزيك وزيرا إلى أن قتل في رمضان سنة ست وخمسين في خلافة العاضد، وكان العاضد والفائز وكلاهما تحت حجره، فأقيم بعده في الوزارة ابنه رزيك، ولقب العادل، فأقام فيها سنة وأيامًا، وقتل.

ووزر بعده شاور بن مجير أبو شجاع السعدي، ولقب أمير الجيوش، وهو الوزير المشئوم الذي يضاهيه في الشؤم العلقمي وزير المستعصم؛ فإن هذا قد أطمع الفرنج في أخذ الديار المصرية، ومالأهم على ذلك، كما أن العلقمي هو الذي طمع التتار في أخذ بغداد، إلا أن لطف الله بمصر وأهلها، فقيض لهم عسكر نور الدين الشهيد، فأزاحوا الفرنج عنها، وقتل الوزير شاور بيد صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ وقال بعض الشعراء في ذلك:

هنيئًا لمصر حوز يوسف ملكها ... بأمر من الرحمن قد كان موقوتا

وما كان فيها قتل يوسف شاورًا ... يماثل إلا قتل داود جالوتا