للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتزوى لها الأرض حتى يرى ملك هذه الأمة، وتقرب من السماء حتى ترى مالا يبلغه وهم ولا همة، وتكون مراكب للأغراض وكانت والأجنحة قلوعاً، وتركب الجو بحر تصفق فيه هبوب الرياح موجاً مرفوعاً، وتعلق الحاجات على اعجازها، ولا تفوق الإرادات عن إنجازها، ومن بلاغات البطائق استفادت ما هي مشهورة به من السجع، ومن رياض كتبها الفت الرياض فهي إليها دائمة الرجع. وقد

سكنت البروج فهي أنجم، وأعدت في كنائنها فهي للحاجات أسهم، وكادت تكون ملائمة؛ لأنها رسل فإذا نيطت بالرقاع، صارت أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع. وقد باعد الله بين أسفارها وقربها، وجعلها طيف خيال اليقظة الذي صدق العين وما كذبها، وقد أخذت عهود الأمانة في رقابها أطواقا، فأدتها من فأذنابها أوراقا، وصارت خوافي من وراء الخوافي، وغطت سرها المودع بكتمان سحبت عليه ذيول ريشها الضوافي، ترغم النوى بتقريب العهود، وتكاد العيون تلاحظها تلاحظ أنجم السعود؛ وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتي به من الأنباء، وخطباؤها؛ لأنها تقوم على الأغصان مقام الخطباء (١) .

وقال في وصفها شيخ الكتاب ذو البلاغتين السديد أبو القاسم شيخ القاضي الفاضل:

وأما حمام الرسائل؛ فهي من آيات الله المستنطقة الألسن بالتسبيح، العاجز عن وصفها إعجاز البليغ الفصيح، فيما تحمله من البطائق، وترد به مسرعة من الأخبار الواضحة الحقائق، وتعاليه في الجو محلقا عند مطاره، وتهديه على الطريق التي عليها ليأمن من فوت الإدراك وأخطاره، ونظره إلى المقصد الذي يسرح إليه من علي، ووصوله إلى أقرب الساعات بما يصل به البريد في أبعد الأيام من الخبر الجلي، ومجيئه معادلًا لرءوس السفار مسامتا، وإيثاره بالمتجددات فكأنه ناطق وإن كان صامتا، وكونه يمضي محمولا على ظهر المركوب، ويرجع عاملا على ظهره للمكتوب، ولا يعرج على تذكار الهدير، ولا يسأم من الدأب في الخدمة زائدا على التقدير، وفي تقدمه البشائر، يكون


(١) نهاية الأرب ١٠: ٢٨٠.