للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى بقولهم: أيمن طائر؛ ولا غرو أن فارق رسل أهل الأرض وفاتهم وهو مرسل والعنان عنانه، والجو ميدانه، والجناح مركبه، والرياح موكبه، وابتداء الغاية شوطه، والشوق إلى أهله سوطه؛ مع أمنه ما يحدث لمنتاب السفار، ومخبآت القفار، من مخاوف الطوارق وطوارق المخاوف، ومتلف الغوائل وغوائل المتالف، إلا ما يشد من اعتراض خارج (١)

وانقضاض كاسب كاسر، فتكف سعادة الدولة تأمينه، وتصد عنه تصميمه؛ لأنه أخذ جيشها من الطيرين اللذين يحدثان في أعدائها؛ هذا بالإنذار الجاعل كيدهم في تضليل، وذلك بما ترى رأيتها المنصورة عليهم من تضليل.

وقال القاضي محيي الدين بن الظاهر رحمه الله تعالى:

ولما وقفت على ما أنشأه القاضي الفاضل، على ما أنشأه الشيخ السديد أردت أن أجر الخاطر، فأنشات وأنا غير مخاطب أحدًا بل مخاطر، وأين الثرى من الثريا، وما الحسن لكل أحد يتهيا، وعلي أن أجيب وما علي أن أجيد، وما كل والد يدرك شأو الوليد، ولا كل كاتب عبد الرحيم ولا عبد الحميد، فقلت:

وأما حمائم الرسائل فكم أغنت البرد عن جوب القفار، وكم قدت جيوبها على أسرى أسرار؛ وكم أعارت السهام أجنحة فأحسنت بتلك العارية المطار، وكم قال جناحها لطالب النجاح: لا جناح، وكم سرت فحمدت المساء إذا حمد غيرها من السارين الصباح، وكم ساوقت الصبا والجنائب فقاقتهما ولم تحوج سلام المشتاقين إلى امتطاء كاهل الرياح.

كم حسن ملك كل منهما ملك، وكم قال مسرحها لمجيئه بها: قرة عين لي ولك، كم أجملت في الهوى تقلبًا، وإذا غنت الحمائم على الغصون صمتت عن الهديل والهدير تأدبا، كم دفعت شكا بيقينها، ورفعت شكوى بتبيينها، وكم أدت أمانة ولم تعلم أجنحتها


(١) ح، ط: "جارح"، وما أثبته من الأصل.