بما في شمالها ولا شمالها بما في يمينها. كم التفت منها الساق بالساق، فأحسنت لربها المساق، وكم أخذت عهود الأمانة فبدت أطواقا في الأعناق، ويقال: ما تضمنته من البطائق بعض ما تعلق منها في الرياض من الأوراق، تسبق اللمح، وكم استفتح بها بشير إذا جاء بالفتح، تفوت (١) الطرف السابق، والطرف الرامي الرامق، وما تلت سورة البروج إلا وتلت سورة الطارق. كم أنسى مطارها عدو السلكة والسليك، وكم غنيت في خدمة سلطانها عن الغناء وقال كل منهما لرفيقه: إليك عن الأيك.
ما أحوج تصديقهما في رسالتهما إلى الإعزاز بثالث، وكم قيل في كل منهما لمن سام هذا حام في خدمة أبناء يافث، كم سرحا بإحسان، وكم طارا بأفق فاستحق أن يقال لهما: فرسا سحاب إذا قيل لأحدهما فرسا رهان، حاملة علم لمن هو أعلم به منها، يغني السفار والسفارة فلا تحوجهم إلى الاستغناء عنها.
تغدو وتروح، وبالسر لا تبوح، فكم غنيت باجتماعها بإلفها عن أنها تنوح. كم سارت تحت أمر سلطانها أحسن السير، وكم أفهمت أن ملك سليمان إذ سخر له منها في مهماته الطير، أسرع من السهام المفوقة، وكم من البطائق مخلقة وغير مخلقة، كم ضللت من كيد، وكم بدت في مقصورة دونها مقصورة ابن دريد.
ومن إنشاء الأديب تقي الدين أبو بكر بن حجة في ذلك:
سرح فما سرح العيون إلا دون رسالته المقبولة، وطلب السبق فلم يرض البرق سرحا ولا استظل صفحته المصقولة؛ وكم جرى دونه النسيم فقصر وأمست أذياله بعرف السحب ملولة. وأرسل فأقر الناس برسالته وكتابه المصدق، وانقطع كوكب الصبح خلفه فقال عند التقصير: كتب يجاب وعلى يدي يخلق، يؤدي ما جاء على يده من الترسل فيهيج الأشواق، وما برحت الحمام تحسن الأداء في الأوراق، وصحبناه على الهدى فقال:{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ، ومن روى عنه الحديث المسند فعن عكرمة قد روى، يطير مع