الهوى لفرط صلاحه، ولم يبق على السر المصون جناح إذا دخل تحت جناحه؛ إن برز من مقفصه لم يبق للصرح الممرد قيمة، بل ينعزل بتدبيج أطواقه ويعلق عليه من العين تلك التميم، ما سجن إلا صبر على السجن وضيقة الأطواق، ولهذا حمدت عاقبته على الإطلاق، ولا غنى على عود إلا أسال دموع الندى من حدائق الرياض، ولا أطلق من كبد الجو إلا كان سهما مريشا تبلغ به الأغراض. كم علا فصاد بريش القوادم كالأهداب لعين الشمس، وأمسى عند الهبوط لعيون الهلال كالطمس؛ فهو الطائر الميمون والغاية السباقة، والأمين الذي إذا أودع أسرار الملوك حملها بطاقة؛ فهو من الطيور التي خلا لها الجو فنقرت ما شاءت من حبات النجوم، والعجماء التي من أخذ عنها شرح المعلقات فقد أعرب من دقائق المفهوم، والمقدمة والنتيجة للكتاب الحجلي في منطق الطير، وهي من حملة الكتاب الذي إذا وصل القارئ منه إلى الفتح يتهلل لحبه الخير؛ إن يصدر البازي بغير علم فكم جمعت بين طرفي كتاب، وإن سألت العقبان على بديع السجع أحجمت عن رد الجواب.
رعت النسور بقوة جيف الفلا ... ورعى الذباب الشهد وهو ضعيف
ما قدمت إلا وأرتنا من شمائلها اللطيفة نعم القادمة، وأظهرت لنا من خوافيها ما كانت له خير كاتمة. كم أهدت من مخلبها وهي غادية رائحة، وكم حنت إليها الجوارح وهي أدام الله إطلاقها عز جارحة، وكم أدارت من كؤوس السجع ما هو أرق من قهوة الغنشا، وأبهج على زهر المنثور من صبح الأعشى. وكم عامت بحور الفضاء ولم تحفل بموج الجبال، وكم جاءت ببشارة وخضبت الكف من تلك الأنملة قلامة الهلا، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتى ظفرت بكل كف خضيب، وانحدرت كأنها دمعة سقطت على خد الشقيق لأمر مريب، وكم لمع في أصيل الشمس خضاب كفها الوضاح، فصارت بسموها وفرط البهجة كمشكاة مصباح. والله تعالى يديم بأفنان أبوابه العالية الحان السواجع، ولا برح تغريدها بين البادئ والراجع.