للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هواؤها وبقي حرها. وضعف حرها، وخف بردها، فسلم أهلها من مشاتي الجبال ومصائف عمان وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة وجرب اليمن، وطواعين الشام وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين وحمى خيبر، وأمنوا من غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكابرة الديلم، وسرايا القرامطة، وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزفها؛ وقرب تصرفها، فكثر خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها.

وقال الجاحظ في مصر: إن أهلها يستغنون عن كل بلد، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا سور لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، وفيها ما ليس بغيرها، وهو حيوان السقنقور والنمس، ولولاه لأكلت الثعابين أهلها، وهو لها كقنافذ سجستان لأفاعيها، والسمك الرعاد والحطب الصنط الذي أوقد منه يوما أجمع ما وجد من رماده ملء كف، صلب العود، سريع الوقود، بطيءالخمود. ويقال: إنه الأبنوس؛ لكن البقعة قصرت عن الكتان، فجاء أحمر شديد الحمرة، ودهن البلسان، والأفيون وهو عصارة الخشخاش واللبخ، وهو ثمر في قدر اللوز الأخضر؛ إلا أن المأكول منه الظاهر، والأترج الأبلق والزمرد. وأهلها يأكلون صيد بحر الروم وبحر فارس طريًّا، وفي كل شهر من شهورها القبطية صنف من

المأكول والمشروب والمشموم، يوجد فيه دون غيره، فيقال: رطب توت، ورمان بابة، وموز هتور، وسمك كيهك، وماء طوبة، وخروف أمشير، ولبن برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بئونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى. وإن صيفها خريف، وشتاءها ربيع، وما يقطعه الحر في سائر البلاد من الفواكه يوجد فيها في الحر والبر؛ إذ هي في الإقليم الثالث والإقليم الرابع، فسلمت من حر الأول والثاني وبرد الخامس والسادس. ويقال: لو لم يكن من فضل