للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصر إلا أنها تغني في الصيف عن الخيش والثلج وبطون الأرض، وفي الشتاء عن الوقود والفراء لكفاها.

ومما وصفت به أن صعيدها حجازي كحر الحجاز، ينبت النخل والدوم وهو شجر المقل، والعشر، والقرظ والإهليلج والفلف والخيار شنبر، وأسفل أرضها شامي يمطر مطر الشام، ويقع فيه الثلوج، وينبت التين والزيتون والعنب والجوز واللوز والفستق وسائر الفواكه، والبقول الرياحين وهي ما بين أربع صفات، فضة بيضاء أو مسكة (١) سوداء، أو زبرجدة خضراء أو ذهبة (٢) صفراء، وذلك أن نيلها يطبقها فتصير كأنها فضة بيضاء، ثم ينضب عنها فتصير مسكة سوداء، ثم تزرع فتصير زبرجدة خضراء، ثم تستحصد فتصير ذهبة صفراء.

وحكى ابن زولاق في كتابه، أن أمير مصر موسى بن عيسى كان واقفًا بالميدان عند بركة الحبش، فالتفت يمينا وشمالا، وقال لمن معه من جنده: أترون ما أرى؟ قالوا: وما يرى الأمير؟ قال: أرى عجبًا، ما في شيء من الدنيا مثله، فقالوا: يقول الأمير، فقال: ارى ميدان أزهار، وحيطان نخل وبستان شجر، ومنازل سكنى، وجبانة أموات، ونهرًا عجاجًا وأرض زرع ومراعي ماشية، ومرابط خيل، وساحل بحر، وقانص وحش، وصائد سمك، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومقابر (٣) ورملا وسهلا وجبلا، فهذه سبعة عشر؛ مسيرها في أقل من ميل في ميل، ولهذا قال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي يصف الرصد الذي بظاهر مصر:

يا نزهة الرصد التي قد نزهت ... عن كل شيء خلا (٤) في جانب الوادي

فذا غدير وذا روض وذا جبل ... فالضب والنون والملاح والحادي


(١) المسكة: نوع من الطيب.
(٢) كذا في ح، ط، وفي الأصل: "ذهبية".
(٣) ط: "معاير"، وصوابه ما في الأصل.
(٤) كذا في الأصل، وفي ط، ح: "حلا".