للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن فضل الله في المسالك: مملكة مصر من أجل ممالك الأرض لما حوت من الجهات المعظمة، والأرض المقدسة والمساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وقبور الأنبياء والطور والنيل والفرات؛ وهما من الجنة، وبها معدن الزمرد، ولا نظير له في أقطار الأرض. وحسب مصر فخرا ما تفردت به من هذا المعدن واستمداد ملوك الآفاق له منها، وبينه وبين قوص صمانية أيام بالسير المعتدل، والبجاة (١) تنزل حوله لأجل القيام بحفره، وهو في الجبل الآخذ على شرقي النيل في منقطع من البر لا عمارة عنده، ولا قريبا منه، والماء عنه مسيرة نصف يوم؛ وهذا المعدن في صدر مغارة طويلة في حجر أبيض منه، يضرب فيستخرج منه الزمرد؛ وهو كالعروق فيه.

قال: وأكثر محاسن مصر مجلوبة إليها؛ حتى بالغ بعضهم فقال: إن العناصر الأربعة مجلوبة إليها: الماء وهو النيل مجلوب من الجنوب، والتراب مجلوب من حمل الماء؛ وإلا فهي رمل محض لا ينبت، والنار لا توجد بها شجرتها وهو الصوان إلا إذا جلب إليها، والهواء لا يهب إليها إلا من أحد البحرين، إما الرومي وإما الخارج من القزم إليها.

وهي كثيرة الحبوب من القمح والشعير والفول، والحمص والعدس والبسلة واللوبيا والدخن والأرز، وبها الرياحين الكثيرة كالحبق (٢) والآس والورد وغيرها، وبها الأترج والنارنج والليمون والحماض والكباد، والموز الكثير وقصب السكر الكثير والرطب والعنب، والتين والرمان والتوت والفرصاد والخوخ، واللوز والجميز والنبق والبرقوق والقراصيا والتفاح. وأما السفرجل والكمثرى فقليل؛ وكذلك الزيتون مجلوب إلا قليلا في الفيوم، وبها البطيخ الأصفر أنواع والأخضر والخيار والقثاء على أنواع، والقلقاس واللفت والجزر والقنبيط والفجل والبقول المنوعة.


(١) البجاة: من القبائل التي كانت تسكن صعيد مصر.
(٢) في القاموس: "الحبق، محركة: نبات طيب الرائحة، فارسية: الفوتنج، يشبه الثمام".