[ص ٣٠] هذا، والغالب في تشبيه غير الواقع في الحال بالواقع فيه طيُّ التشبيه واختيارُ المجاز على سبيل الاستعارة. والغالب أنه ينضاف إلى التقريب والتحقيق أو أحدهما فائدة أخرى قد تكون هي المقصود بالذات، وهي حملُ السامع على إنعام النظر في الواقعة، ورسمُ صورتها في ذهنه، لأن صورة الكلام تُصوِّرها له كأنها حاضرة تجري أمام عينيه، فيدعوه إلى أن يتصوَّرها بحسب ذلك، وكأنه يتخيلها تجري أمام عينيه، فيكون ذلك أوقع لها عنده، وأبلغ في تربية الأثر المقصود من حكايتها في نفسه.
وهذا هو المعروف عند أهل العلم بحكاية الحال.
قال الرضي: ـ "قال جار الله ــ ونعم ما قال ــ: معنى حكاية الحال أن يُقَدَّر أنَّ ذلك الفعل الماضي واقع في حال التكلم كما في قوله تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ}[البقرة: ٩١]، وإنَّما يُفعل هذا في الفعل الماضي المستغرب، كأنك تُحضِره للمخاطب وتُصوِّره له ليتعجب منه. تقول: رأيت الأسد، فآخذُ السيفَ، فأقتلُه"(١).
وقال السكاكي بعد ذكر أمثلة:"كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ... }[فاطر: ٩] إذ قال: "فتثير" استحضارًا لتلك الصورة البديعة الدَّالة على القدرة الربانية، من إثارة السحاب مسخَّرًا بين السماء والأرض، متكوِّنًا في المرأى تارةً عن قزع وكأنها قطعُ قطن مندوف، ثم تتضامُّ متقلِّبةً بين أطوار حتى يَعُدْن ركامًا. وإنّه طريق للبلغاء ... وأمثال هذه
(١) شرح الكافية (٢/ ٢٠). [المؤلف] طبعة جامعة الإمام (٢/ ٧٢٨).